في ظل غياب حكومة مركزية قوية
تسيطر أمن البلد وحماية المواطن من الإبادة الجماعية، أصبح المواطن الصومالي يسير
تحت أقواس العداء التي تشتعل من هنا وهناك والتي تشبه لعبة الشطرنج، لا يعرف شيئا عن العقل المدبّر ولا عن
الساعد المنفّذ!، الأمر الذي أودى الآمال المخفية في صدور الكثيرين عن إيمانهم
السابق بأن هذه الحكومة قد تحمي أرواح مواطنيها!.
تبنت حركة الشباب -الموالية
لتنظيم القاعدة- باستهداف أكبر قاعدة لسياحي المواطنين الذين تكالبت عليهم الأعداء، وهي فنادق ساحل ليدو
-ولتقريب المشهد للقارئ- هي واحدة من الأماكن النادرة المرصّعة بالبهاء الذي يفوق
الخيال، وصفاء الجوّ في العاصمة الصومالية مقديشو، يروح إليها المواطن ليرتشف
قليلا مع أترابه وخلانه فنجانا من قهوة، وليمرحوا في ساحله المبهر.
الجدير بالذكر، أن ساحل ليدو -الذي
اختارت الحركة كأنسب مكان لتنفيذ عمليتها- لم تكن ضحاياه من رجال الدولة والمطلوبين
من قبل الحركة، من رؤساء الحكومة الفدرالية ولانواب من البرلمان ولا دبلوماسيين
لتجد العملية تبريرا –وإن قلّ- لدى أهالي المتضررين.
الأمر الذي أدهش الكثيرين من
المحللين وجعل أهداف الحركة من هذه الجريمة البشعة التي منيت بالأبرياء -في رابعة
النّهار- أكثر غموضا وأكثر تعقيدا بتحليله!، ويؤشر الهجوم بأن عناصر الحركة لن
تبارك الجهود المثمرة التى تساهم في إعادة أمل الحياة للمواطن الجريح، وأنها تبذل
قصارى جهدها لتعيق كل ما يبرز إلى السطح بأن الأوضاع تتحسّن رويدا رويداً، ومن
ناحية أخرى هو خلق توازن الرعب في الشعب الذي لم
يبق له إلّا ساحل ليدو!، وهو فشل ذريع غير متوقع لدى الخبراء العسكريين؛ وذلك
بأن عناصر الحركة عجزت –برهة من الزمن- عن هجوم مقرّات قوات حفظ السلام أميصوم
وقوات الحكومة الصومالية، والعملية التخريبية الأخيرة هي بمثابة شهادة وفاة للحركة!.
أسفر الهجوم عن عشرات الضحايا من
الشعب الذين حوصروا قبل الإبادة الجماعية من كل حدب وصوب، ثم أمطرت عليهم الأسلحة
الثقيلة والخفيفة –مطر السوء- فترى القوم فيها صرعى كأنّهم أعجاز نخلٍ خاوية!، وقد
تمّ ذلك دون تمييز لهوية الضحايا كما كانت تزعم الحركة في هجماتها الأخيرة في
كينيا المجاورة، وذلك بأنها ستتعفف كثيراً بحقن دماء المسلمين!.
الأمر الذي فسّر به المحللون بأن
هذا لم يكن إلا استخفافا لمسلمي كينيا ولزرع عناصر نشطة تؤيّد الحركة وتساهم في
تكثيف هجماتها في كينيا، وإلّا؛ فهل يعقل بأن تحمي الحركة دماء مسلمي كينيا، وتنسلخ
بإهراق دماء بلد يعتبر شعبه الوحيد الذي
يدين بالدين الإسلامي الحنيف مائة بالمئة في القرن الإفريقي؟!!.
على سبيل المثال لا الحصر، أروع
مشهد لفّ انتباهي بشدّة هي صورة متداولة لدى الكثيرين من والدة -لعلها في العقد
الثالث أوالرابع- ترتدي الحجاب، والذي يعتبر من أهمّ ما يميز فتيات المسلمين عن
غيرهنّ، ماتت وقد كبّت على وجهها بسبب الرصاص التى تخترق جسدها من هنا وهناك، فاضت
روحها وهي تحمي طفلها -في ضلعها- الذي لم يبلغ الحلم بعد؛ من شدّة الرصاصات
الطائشة التي تنهال عليها من كل جهة؛ فقط قتلوها لينتصروا دين الإسلام ولإحياء روح
الجهاد في ربوع الصومال!.
يروي ما حدث أحد الناجين –بأعجوبة-
من هذه الإبادة الجماعية ويقول كلاما مفاده: "إن عناصر الحركة هاجمتهم وهم في
غفلة، فقتلوا كلّ من دبّ على وجه الأرض ممن سجّلوا أسماءهم من ضمن صحائف الموتى،
ثم جمعوا جثث الأبرياء؛ لتهدى إليهم قنبلة من نوع الياسمين، ليذيقوهم العذاب أحياء
وأمواتا!،
وما حدث قبلها أو بعدها من حوادث أوجرائم
اجتماعية أعظم وأشد!، ويؤسفني أن جميع هذه التنديدات مرّت على المستمعين والقراء
وذوي العقول الواعية مرور الكرام دون أن يحركوا لها ساكنا!، خصوصاً الأمة العربية والتي يكاد المواطن الصومالي يلمّ بحبها حبّاً جمّا، ويسيل
شغفها في شرايينه، على الرغم من أنها لم تمدّ يد المعونة له، ولم تقدّم له أيّ شيء
يذكر إلّا فيما نذر !.
لاسيما وأنّ بعض المواطنين الصوماليين يضيفون العروبة إلى
قائمة (المقدسات) من عند أنفسهم بإصرار، وبالمقابل فإن الأمة العربية تلقيه في
غياهب الجب وفي فخّ غريب لايحمد، غير آبهين بضياعه كقصة يوسف مع إخوته!، مقارنة بتعاطفهم
البالغ مع فرنسا في حادثة الأمس القريب!، أكثر من اهتمامهم بهذه الحوادث المروعة
التي تتكرر بين عشية وضحاها، ولسان حالهم يقول: إلى متى ستشفع لنا العروبة؟!.
وفي ظل هذه الأوضاع الراهنة يعاني
المواطن الصومالي الحرمان، فلايجد فرصة في تدبير أموره ومستقبله، وإبراز أفكاره
السّجّية الحزينة على قلة حظها لتنكشف أمامه، وفي عيونه معين دمع إذا جفّ عاد
يمتلئ من جديد!، الأمر الذي جعل رمز الوطن والمواطن بـــ "وهل يبكي لي الحجر؟!"،
أن تهرق دماء أبرياء لا دخل لهم في الصراع وتسبب لهم بالنزوح لمئات -بل آلاف فأكثر-
منهم بسبب أمور ثنائية أمر لا يعقل!.
ولمثل هذه الوقائع التي تلين
القلوب المتحجرة أصبحت إراقة الدماء مبرراً قويا للنزوح إلى خارج الوطن رغماً عن أنف
المواطن الذي فرّ من مسقط رأسه تاركاً وراءه زوجته وابنه الرضيع وأمه الحنونة بدون
سبب يذكر!، فلاذ بالأمواج العاتية والتي تناديه من بعيد لترتوي من أرواحهم
الرخيصة، ولتكون لهم جسراً للوصول إلى قبلة المستضعفين –إلى أوربا إن صحّ التعبير-
في زمن انقلبت الموازين؛ إذ أصبح العدوّ رفيقا، والرّفيق عدّواً!.
ومما يشار إليه البنان، أن أكثرهم
أصبحوا عرضة لقطاع الطرق، تنتهك حرماته، وتغتصب بناته، وأحيانا يعذّب في غياهب
السجون على أيادي جبابرة لا رحمة عندهم، ولامستغيث!.
فحان الأوان ليصل المواطن إلى
معرفة السر بأن هذه الهجمات لا تفرّق بين الأبرياء – من النساء والرضع والطاعنين
بالسنّ-، وبين المستهدَفين من قبل الحركة، وكلّ ما قيل من قبل –من أن هؤلاء
المتشدّدين يخدمون لمصالح الشعب وتطبيق شرع الله في ربوع الصومال- لم تكن إلّا
أوهاما وترّهات اغترّ بها الكثيرين أمر يخالف ما هو موجود في أرض الواقع!، وما هي
إلا مسخرة للمواطن العاشق لروح الوطن ورجوع الانتماء الحقيقي لوطن الأم الكبير!.
الرحمة على الشهداء، والصبر والاحتساب
لذويهم، والشفاء العاجل للجرحى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق