مرحباً بكم أعزائي الكرام

مرحباً بكم أعزائي الكرام

تعليقاتنا غير موضوعية !.

0 التعليقات


بظهور آلات كثيرة تسهل للإنسان التواصل مع أصدقائه وتسمح له بأن تصل فكرته إلى أبعد الحدود في وقت وجيز؛ بدأ معظم المثقفين بأن يستخدموها كمنصة لطرح النقاش والتفاعل مع الآخرين بحيوية، على الرغم من أن كل شخص يتفاعل مع الآخرين بطريقته الخاصة التي تعجبه، وبأسلوبه الذي يراه بأنه يليق في تلك الحالة، فتلاحظ بأن صفحات الفيسبوك على سبيل المثال أصبحت منبرا لطرح النقاش، والملاحظة الثانية أنّ معظم المعلّقين يضيفون إلى القائمة كلاما فضفاضا لا دخيل له في الموضوع المتناقش فيه، وتكون أشدّ وضوحا حينما تتعلّق المادّة المطروحة كنقاش بالأحكام الشرعية المختلف فيها!.
ومعظم هؤلاء الذين سطع نجمهم في هذا العالم هم (مكافحون بدون أسلحة) لم يصلوا إلى درجة النضوج الفكري ممن تخرّجوا من الثانوية العامة أو لم يتخّرجوا منها بعد، ولم يصلوا إلى أيّ مؤهلة علمية يذكر!، وقد عرف هؤلاء الشبّان بتحمسهم الشديد لحماية صورة الإسلام السمحة التي تكالبت عليها أعداءنا، وبذل التضحيات في سبيلها، وقد شمّرو بساعد الجدّ -رغم قلّة معرفتهم- بأن ينقشوا أسماءهم باقتدار في جدار (حماية الدين)؛ لطالما لم يجدوا –بمنظورهم- من هو أولى منهم ليقوم مقامهم أو يسدّ هذا الفراغ، وللأسف انزلقوا -بخطى ثابتة- إلى برّ الإجرام والميل عن العدالة!، وتارة أصبحت حواراتهم تقطر منها دما، تشين خصمهم فور تعرضه للنقاش، وسوط توجع الخصم والأنصار سويّا بمجرّد النقاش، وتارات أخرى أباحوا أعراض خصمهم بتهم باطلة تفتقر منهم إلى أبسط دليل؛ لتنكيس أعلام غيرهم وليرفرف علمهم عاليا شامخاً لأسباب قد تكون غالبيتها شخصية أو طائفية!، والأقبح من هذا كله هو احتسابهم بالأجر، فيهم في طغيانهم يعمهون!.

من أبرز الأسباب:
النوايا الطيبة وتدينهم الخالص، وطموحهم الرفيع بأن يكونوا رمزا لأمتهم، وحنينهم السرمدي لتوجيه رعيتهم المنكوبة من أبرز ما يسبّب لهم بأن يتطرقوا في كل صغيرة وكبيرة من الفتاوي المعاصرة التي تتطلب إلى رسوخ علمي وامعان نظر شديد، ولعلّ تبريرات (المكافحين) تعود إلى مايسمّونه بالأفكار الوافدة من الغرب والشرق والتي تبرز عضلاتها في أوساط المسلمين فقاموا متطوعين ليجابهوا خطورها حتى لاتتلبس على الرعيّة بأمور دينهم، فهم يكافحون -بشق الأنفس- لدحر تلك الأفكار التي صدرت من جهة مشبوهة مع أنهم يغمضون أبصارهم عن كيفية وصول هدفهم المنشود، وهنا الخلل طبعاً!.
ومن الممكن أن نطلق بأنّ عدم التفرقة بين النصّ الإلهي وأقوال العلماء وتسديد آرائهم كحجة لاتحتمل الخطأ والصواب، وادعاء الحقّ المطلق، والإنحراف عن معايير العدالة، والجهل عن الدين وأسسه التي بنيت على أساس إقناع الآخرين بصورة ميثالية، وإشكالية مفهوم الرأي والرأي الآخر، من أهمّ الأسباب التي تتيح لهؤلاء (المكافحين)  بأن يتعمّقوا في تأصيل آرائهم (المعصومة)، وأن يسلّطوا الرياح العاتية على كل من يقف أمامها من أصحاب الأهواء والضلال -إن صح التعبير- وهي التي أودت آمالهم العريضة وتركت بصمات واضحة وتأثيرات سلبية في المشهد الديني لازالت محفورة في ذاكرة الجميع!.

نماذج من (المكافحين):
شهدت صفحتي على الفيسبوك نزاعات حادّة بين الأنصار والخصوم إثر وفاة المفكر والشيخ الفاضل حسن عبدالله (الترابي)  -رحمه الله-، فكان منهم من يترحم له في منشورته ومنهم من يجترئ في عرضه ويكفّر الشيخ دون حجّة يذكر، ومنهم من سكت عن هذه الأمور على أساس "لاشمّاتة في الموت"، فكان من ضمن المنشورات التي تتعلّق بهذا المجال مانشره أحد زملائي المقربين –ولامجال هنا بذكر اسمه- كورقة ترحّم وتذكير لمصير كلّ أحد.
وكالعادة من دأب (المكافحين بدون أسلحة) أن يتبادروا إلى الطعن ونيل أعراض المشبوهين؛ فقط ليرجحوا كفتهم دائما قبل كلّ شيء لطالما لايستطيعون بمجابهة ردودات الخصوم، ولايوجد في قائمتهم بما يسمّى "لكل مقام له مقال" إلّا فيما ندر!، فمنهم (مكافح) كفّر الشيخ بناء على  مسائل فرعية ذكر بأن الشيخ أنكرها، والغريب في هذه القصّة أنّه يتضح لك من ملامح هذا الشّاب (المكافح) بأنه لم يتعرف على شخصية الترابي إلى أن جاءت منيّتة، واستغربت حينما أردف أحد (المكافحين)  بمقولة مستندا بماورد في منشورة كانت قبله: "قبحاً له إن صحّ هذا الخبر"، أتساءل كيف يجترئ العبد على عرض أخيه دون براهين وححج قاطعة!، لاغرابة فيها فهي دأب (المكافحين بدون أسلحة) والمتسرعين بالفتيا في زماننا!، والجذير بالذكر أنه حينما تلقى ردودات فعلية عن الطرف الآخر –كمايبدوا- تولّى كبره ولم يصغ لهم البال، فكانت القاضية!، أتساءل لماذا أصبحت معظم تعليقاتنا غير موضوعية كالأخيرة مثلا؟!، سؤال لايجيب عنها إلّا الزمن.
ليست هذه فحسب، ولربما تطول القائمة بسرد نماذج من هؤلاء وهناك أماكن عدّة تجد فيها بسهولة بمثل هذه التعليقات الغير موضوعية، ودابرها كانت حينما علّق أحد (المكافحين) على إحدى منشوراتي على الفيسبوك التي كانت تحكي عن وجهة نظري حول الغلو ومعالجته، فتحمّل عليّ متحمساً -كما يبدوا من ملامحه- قائلا كلاماً مفاده: "إنّي لك من الناصحين"!، ولطالما كانت المسألة قابلة للنقاش فمن الأفضل أن يتفاعل مع الموضوع ويطرح فكرته لعلها تقنع الطرف الآخر حتى يكون موضوعيّاً أكثر!، أو يتركه –إن لم يعجبه النقاش- طالما هو مبني على أسس "الرأي والرأي الآخر"، ولاشكّ أن النصيحة جميلة حينما جاءت بأدبها وروعتها.
والجذير بالذكر أن التعليقات الغير موضوعية لا تنحصر في مجال معيّن، فقد تتعد بتعدد أصحابها واختلاف مجالاتها، (فالمكافحون بدون أسلحة) بلاحدود وشعارهم واحد.

الخاتمة :
لايليق للمثقف الواعي أن يرجّح كفته ويدعي الصواب في كلّ حالة، فتلك هي عين العصمة الإلهية، فأسلوب الحوار وإقناع الآخرين مماجاءت به شريعتنا، ولابد أن نتحكم مشاعرنا حينما نواجه الآراء التي لاتؤيدنا ، تأمّل معي قليلا في سور القرآن تجد فيها مايذهلك، لماذا يصفنا البعض باللاموضوعية ونحن أمة الحوار؟!، يعجبني سياق القرآن حينما يخاطب مع الكفار وبالأخص السور المكية مع أن القدرة الإلهية تستطيع بأن تحسم القضية بثواني، على سبيل المثال لا الحصر تأمّل في سورة الملك من الاية (15-23) تجد أن القرآن يعلمنا طرق الحوار وإقناع الخصوم بموضوعية وبأسمى التأدب، فتارة يوضح لهم بآيات الله الكونية وما أودع فيه حيث جعل الأرض ذلولا حتى من لايستحق من هؤلاء الكفرة، وتارات أخرى يسرد لهم بمخلوقاته التي تطير فوقهم بقمة البلاغة والحوار مايمسكها إلا الرحمن إلا أن يوضح لهم المعجزات الإلهية من حيث لم يكونو يحتسبون!، هذه طريقتنا وشريعتنا لماذا نسير ورءا الخيال ولماذا بالأمور اللاموضوعية ونطعن أعراض الإخوان مع براءتهم!، على المثقف أن يتأمّل ماورد في سور القرآن ليتعرف أسس الحوار أكثر، وليؤدّدي رسالته بطريقة سهلة وسليمة من التخديس والعيوب، وبناء على امكانية عثور ىراء مضادة بما ورد في المقال فيعجبني أن نتداول الموضوع بعمق لنصل الفكرة العامة لهذه القضية، ونقد القارئ وتصحيحه وتوجيهاته في غاية الأهمية بالنسبة لي، سواء كان النقاش من طرف (المكافحين) أو غيرهم.

بين رمضانين حكاية !.

0 التعليقات


تمرّ بي الأيّام بسرعة الضّوء وبدون أن أشعر مايجري حولي من التغيّرات الملموسة، فهاهي مرحلة الطّفولة قدأدبرت، بصدقها، ببراءتها وبفرحها الغير المصطنع، بحلوها وبضحكاتها، بعذوبتها وبنظراتها الشّاردة للمارّة، وكنت أيّامها أتمتّع في مراتع الصّبا ولياليها المليئة بالذّكريات الجميلة وعالمها المتميّز ونهارها المحشو بالأفراح والإبتسامات العريضة مع الأتراب، ألهو وأمرح مع الخلّان بتلك الألعاب التّي بدت تافهة في كبري بعد أن كانت في منتهى الرّوعة والإطراب، ظفرة في زفوف الذّاكرة عند تذكرها تتشكّل صور العبث وعلب الألوان وأصبحت تلك الأطياف ذات طعم ومذاق خاص، ارتحلت وحلّ الإزدحام والضّوضاء محلّ الهدوء والسّكينة، ولم يبق من تلك الملامح الجميلة سوى صور وأشكال تتداعى على ذاكرتي من أمكنة ووجوه وأحداث تجتاحني كسيل جارف، وتنسيني بلحظات الحزن ومرارة الغربة، وصخب الحياة وخشونتها، وكلّ مافيها من تقلّبات دائمة، وبيني وبين ذاكرتي ألفة دائمة وترابط وجداني لايتغيّر بمرور الزّمن.

كبرت عظامي واصبحت دليلاً على شيخوختي، وبدأت الأعوام تتداول بي رغماً عن أنفي تسوسني أينما هي تشاء، وظلّت ليالي الهرم والعجز مقبلة ومتتالية بلاانقطاع، فالتزم عليّ بعض الواجبات الدّينية والشعائر الإسلامية التي كانت الطّفولة أكبر حاجز ومانع بيني وبينهم، ومن هذه الواجبات شهر رمضان المبارك الّذي أنزل فيه القرآن الكريم، شهرٌ صارت نشاطات إبليس الملعون ضئيلة لاتأثير لها.

شاء حسن الطالع أن أصوم شهوراً مضت وأزمنة قد أفنت في حضن أمي وقرب وسادتها المتميّزة وأمام نظراتها الجذّابة الموحي بالحنين الجارف والحبّ الأزلي وساحتها الرّائعة اللّامثيل لها، وكانت تلك الأيّام المرّصعة بعبق الزهور تظلّني بخدمة أخواتي الصّابرات في الكدّ والمتاعب وكان عطاءهنّ وبرّهنّ الأزلي ينصبّ عليّ بكيفية لاأبوح لكم ولاأجد لهنّ كلماتاً تلائق كرمهنّ وجُود أياديهنّ التي دأبت بالعطاء والمرونة الباهرة.

أنقلب في وقت خامِل من النهار -قبل المغيب بساعة- من ساحة الأقران والزّملاء وقد أرهقني حديثهم السّخيف والألعاب الزّهيدة المشهورة في بلدي خلال الأيام الرّمضانية كالنّرد مثلاً، فأجيء بحارتنا وقد أفرش لي السّجاية والفراش النّاعم والوسادة معاً فأستلقي عليها بكل طمأنينة، وقد أعددن بقرب هذه الأشياء الأطمعة الخفيفة التّي اعتدناها في بلدي كالتّمر والبطاطس والسانبوس المثلّث وشراب المانجو الطّبيعي العذب المريح في بيئة بعيدة عن كلّ مايزعج الإنسان ومايجلب له من الضوضاء والنّفسيات الهالكة، وكان ذاك الجوّ المرح يخيّلني في أنّني أتمتّع بطبقات من الفردوس وأرائك النّعيم الموعود للمؤمنين لمافي تلك الأيام من الجمال المبهر والمتعة الفائقة.

انصرمت واستأصلت عنّي تلك الأيام الجميلة التّي كانت الأخوات يحتضينها وأقبلت عليّ بليالي حالكة سوداء وطال ذيل المشّقة العصيبة في أرض السّودان الشّقيقة، ورغم حلوها وجمالها وليونة شعبها الأزلي وسخائهم الباهر لم تزل نفسي تشعر بمرارة الغربة وكآبة منظرها، فتتالت الأيام ومضى عام وأقبل عام آخر ولم أزل أفتقد تلك الصّابرات اللّاتي عرفت برّهنّ بعد الزّوال، واليوم وأنا أتجوّل في شهر رمضان أصبح لازماً ومفترضاً عليّ أن أقوم مقامهنّ، أطبّخ وأتخبّط في المطبخ وأسعى جاهداً تؤذيني البصل والسّكين الحاذ ولهيب النّار الحريق، ليس هذا ضعفاً منّي ولكنّها تترجَّم عن حياتي معهنّ في صالات الوطن الباهر ومدى عطفهن على نفسي التّي اعتادت بالإستراحة العريضة والفرحة العامرة.

أيتمتني الغربة وأربكتني مرارتها، ورمتنى في بيئة نائية عن المراتع الخضرة، وأرخت سدود لياليها الحالكة عليّ، أعثرتني وأشعرتني بأنّ للحياة جوانب عديدة غير الذي عايشته في صغري، وأيقنت أيضاً بأنّ النّعيم لاتدوم على ابن آدم مادام هو يتجوّل في خرز الحياة الدّنيوية، ليس هذا محصوراً بي ولكنها بليّة عمت الأقران والخلان، فهم في المهجر متضررون ومصروعون، لايترحم بهم أحدٌ غير الذي رأى هذه الحياة بأم عينه، فأصبح جلّهم يتغنّون بألفاظ مماثلة ومتشابهة ومطلعها  (iskaabulooy iridaha ku ooy )    ولكنّ السّؤال إلى متى تدوم هذه الحياة المحفوفة بالكد والمتاعب بكل أنواعها؟!.

وبالمناسبة لفّ انتباهي بشدّة وأنا في إحدى مقاهي الخرطوم -أتجاذب أطراف الحديث هناك مع زملائي الكيسمايويين  في المهجر - بورقة متداولة في يد صديق لي لامجال هنا بذكر اسمه، رميت بنظراتي الفضولية نحوها أتابعها بمافي حشوها عن كثب، فلمح بي وشعر  بأني استغربت تلك الورقة فأعطانيها مبتسماً قائلاً: شوف يابرلوم!، وإذا فيها مكتوب بخدماتهم الرّمضانية كالأرز والزيت والملح والخضروات والفواكه، كتيها من عبّدته الغربة وليّنته وعلَّمته رغماً عن أنفه ماكان يهمشها لماكانت أمه تحتضنه، فانغمست في الضحكات المجللة والصفقات المتلاحقة وكأن لساني حالي يوحي للآخرين مايجيش في خاطري من التعجب!.

بين حلم الهجرة وخيبة الأمل!.

0 التعليقات


رغم وعورة الطريق والخيوط المحفوفة بكلاليب جهنّم الدنيا لم تخطر في أذهان الكثير من أبناء الصومال بأن يترددوا في التوجه إلى أوربا عن طريق إيثوبيا والسودان وليبيا ومصر كمعبر للطريق إلى الأماكن التي أيقنوا فيها بأنهم سوف يجدون فيها ما يسد رمقهم بعد الوصول إليها، وأنها قد تكون بديلا عن مسقط رأسهم –الصومال الحبيبة-، ويشكل الذين قدموا إلى أوربا في وقت مبكر من أكثر العوامل التي جعلت للتهريب محفزاً قويا؛ حيث ينشرون صورهم في مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر وغيرهما يحكون لأصدقائهم الماكثين في الوطن بما لديهم من رغد العيش والحياة التي وجدوها بعد قدومهم إلى أوربا ووجوههم النيرة التي تبدو مصقولة كالسجنجل وزالت عنهم الكآبة التي لحقتهم قبل رحيلهم إلى أوربا!.
كلّ هذا ساهم في تحريض الشبّان على الذهاب إلى المهجر فرارا من ويلات الحرب التي بسببها أصبح الكثير منهم يتيم الأب والأم، وشردت الكثير ، وعوقت الآلاف، وأرملت نساء كثيرات، بيد أن الطريق لم يزل يبتلع الكثير من الشبّان والشابات الذين كنّا نتحدى بهم المجتمعات الأخرى، وأصبحت جثثهم ملقاة في صحراء قالحة، لم يجدوا فيها غرابا يبحث في الأرض ليواري سوءاتهم كما حصل في قضية قابيل عندما قتل أخاه هابيل، والبعض الآخر يغرقون في أعماق البحار، تلتهمهم حيتانها وتتلاعب أمواجها أرواحهم الزكية ولا مغيث !، وبالمناسبة فبل سنتين تقريبا التقيت بشابّ كان يحب الذهاب إلى أوربا حبّ السمك للماء، ولم يكن بيني وبينه معرفة سابقة قبل تلك اللحظة التي جمعتني معه، وهذا الشاب لم يتجاوز عمره الثلاثين تقريباً وارتحل عدة مرات إلى أوربا لكنه عاد خائبا، وكلّ مرة يذهب إليها تنتهي رحلته بالفشل!.
وبما أننا التقينا في قارعة الطريق طلبت منه أن يحدّث لي عن تجربته لأروي قصته لمن ينوي بالذهاب إلى المهجر، وكنا في إحدى مقاهي المدينة فسرد لي العديد من الغرائب والمشقات التي تجاوزها؛ فكانت كل بلية أشدّ بالتي بعدها، والقصة الأكثر تشويقا كانت عندما ارتحل ذات مرة إلى ألمانيا مع صديقين كانا معه إذ صادفتهم حادثة مرعبة حقاً؛ حيث فوجئوا بجبال تكونت من تراكم الثلج، ولم يظهر لهم طريق سليم يوصلهم إلى المقصد غير هذا حتى يختفوا عن أنظار حراس الحدود!، فسلكوا الطريق وأصبحوا معرضين لبيئة مختلفة تماما عن البيئة التي عايشوها، وليس لديهم من الأحذية والملابس المخصصة للسير على الجبال الثلجية فتجاوزوا الأميال بسلامة ولكن المفاجأة الموجعة برزت لهم بعد وصولهم مقصدهم الأخير الذي ضحوا لأجله كل غال ونقيس؛ إذ بدأ أحدهم يشتكى من رجليه فاضرر بأن يزور إلى عيادة طبية كانت بالمدينة الألمانية فأخبر الطبيب لهم بأنه لا حل إلا بقطعهما تماما، ولا خيار آخر يكفيه من أنين الليل إلا هذا ! فقطعت وحقق مآربه مقطوع الرجلين ونكص صاحباه على عقبيهما خائبين ومعتبرين بالفاجعة التي جعلتهم نادمين على فعلتهما!.
وحادثة الأمس القريب التي راحت ضحيتها مايقارب بربع ألف مهاجر معظمهم صوماليون كانت وحدها كارثة، آلمت عشرات من ذوي الغرقى وزرعت في أعماقهم  ندامة موجعة، ولات ساعة مندم!، كما استفزت مشاعر الكثيرين من أقرباء المفقودين، يبدون قلقهم الشديد عن مصير فلذة أكبادهم الذين سلكوا ذاك الطريق وانقطع الإتصال بين المفقودين وبين أهاليهم، كل هذا يتزامن في وقت تتوالت التنديدات التي تحذر من هذه المآسي التي تتكرر بين الحين والآخر باستمرارية، على الرغم من وجود تقصير –كما أعتقد- تجاه توعية شبّاننا وإشعارهم بآلام الهجرة إلى أوربا!.
في نهاية 2014م أدى حادث سير في ضواحي الخرطوم بوفاة بضع عشر من بينهم صوماليون من مريدي أوربا الذين حال الموت بينهم وبين أملهم المنشود، فلم يحصلوا أية اهتمام من الجهات التي تخصّ أمرهم وكأن لسان حالهم يقول: "لماذا جئتم هنا؟!، فلاتلومونا ولومو أنفسكم"، ولازالت جثثهم تنتقل في المستشفيات العامة بين عشيّة وضحاها بذريعة أن يتعرّف بهم ذويهم إلى أن دفنوا في وقت متأخر جدّا، فأصبحت فيما بعد مأساة منسية!، وفي بداية 2015م تضرر مهاجرون آخرون بحادث سير آخر في محاولة عبور للحدود في المناطق الواقعة بين السودان وإيثوبيا، وتتكرر هذه الحوادث المؤلمة بصورة ملحوظة، ويبدو أنّها لم تسجّل بعد لتضيف إلى قائمة الملفات الساخنة والمآسي، وهناك عشرات بل مئات قدموا من بلدانهم بنية التهريب فخاب أملهم بعد وصولهم هنا سواء من قلّة الزاد أو الأضرار البدنية التي لحقتهم في طريقهم الى هنا التّي سبّبت لهم بالإعاقة الفادحة، ولم يتمكن لهم بالوصول إلى أوربا ومعظمهم الآن يتضررون في شوارع العواصم!.
من أبرز الأسباب:
الزواج المبكر دون أن يمتلك الأبوين قدرا من المال يكفي الأسرة ويسدّ احتياجاتها بالإضافة إلى إنجاب أولاد كثيرة قد تفوق من طاقتهما، والبطالة الشائعة في الوطن والتهديد الأمني الذي يواجه شبابنا من قبل الأطراف التي تشعل فتيل الصراع، والمحاصصة القبلية التي استأثرت لأتباعها الحصة الأكبر والأنفع إذا جاءت لحظة تقسيم الأموال والتوظيف هي من أبرز مبررات التهريب التي أجبرت الكثيرين بالمغامرة موقنين بالموت في بعض الحالات، وكأنّ لسانهم يقول:  "إمّا عيشة هنيئة وإما موت مريح"!، وقد يصح القول بأن الذين عادوا من أوربا على سبيل المثال ومعهم ثروة هائلة سنحت لهم بإدارة أروقة الحكومة الصومالية بشكل ملحوظ؛ يحفزون شبّاننا بالذهاب إلى أوربا ليحصلوا جوازات أوربية تؤهلهم بما كانو يحلمون به منذ ريعانة طفولتهم، وكذلك الأقرباء تحرضهم بصورة غير مباشرة؛ حيث لايمنحون شبابهم بمايقدرون من مال ومساعدة جذرية؛  ليبنوا حياة أفضل  مما هم فيه تلك اللحظة إلا أن يتورط في هذه المشكلة العصيبة فتنفق مئاتا من الدولارات بل آلافا قد لاتقدرها؛ بذريعة إنقاذه من المهلالك وتسهيله بالوصول إلى أوربا بسلامة حيث كانت تتوق نفسهم إليها، وهذه ظاهرة تحتاج إلى إعادة النظر فيها فالوقاية خير من العلاج!.
وجهة نظري لحل المشكلة:

بما أنّ التهريب ظاهرة اجتماعية نتجت عن الأسباب المتعددة التي ذكرتها في سطوري وغيرها فإنّه لايمكن علاجها بسهولة طالما ليس هناك بديل مقنع لدى شبابنا وإيجاد حلّ جذري لتلك المشاكل، فرفع الشعارات واللافتات الجميلة التي توصي بعدم الذهاب إلى أوربا إثر وقوع حوادث مؤلمة كالأخيرة مثلا، وتوقيف تأشيرة الدخول الى السودان، وكذلك الإجتماعات التي تعقد في الوطن والخارج بين الحين والآخر التي تنتهي أخيرا بمفردات متقاربة المعنى كـ (jooji tahriibta) لن تكون حلا لهذه المآسي التي تتكرر بين عشية وضحاها، ولن نستفيد منها شيئا وإن قلّ!، هذه المأساة ليست حديثة عهد بحارتنا لنكتفي بالقول ورفع الشعارات المكتوبة بكلمات لا اعتبار لها بالواقع، بل هي تتطلب إلى دراسة عميقة ومعالجة الأسباب التي تبرر لشبّاننا بالذهاب إلى أوربا وتلبية احتياجاتهم لإنقاذ أرواحهم، فالندامة تستمرّ ولات ساعة مندم!.

القبليّة وطلّابنا بالسّودان !

0 التعليقات


التّعليم أساس الحياة ، ومصدر الحياة النَّاجحة ، بها يعرف الصّحيح والفاسد ، وبها  تكتسب الكرامة والشّرف ، وانطلاقاً من هذا تدفَّقت آلافٌ من طلّابنا – الصّوماليين -  إلى شتَّى بقاع الأرض بحثاً بتحصيل العلم وازدياداً للعلم الشَّريف ، ومن ضمن هذه الأماكن السُّودان الشَّقيقة ، والجدير بالذّكر أنّ العيد الأضحى المباركة – بسنة 1435 الهجري الماضية - تزامنت بقدومي إلى هذه البقعة الشَّريفة والمتميّزة أيضاً ، لأنهل من  تلك المعين العذبة التّي وصفت لكم  .

وبعد مجيئي بايَّامٍ قليلةٍ ، أصابتني الدَّهشة والحيرة في شأن طلّابنا بالسُّودان عموماً  وبالعاصمة –الخرطوم- على وجه الخصوص ؛ تجدهم معكوفون على ماكنّا نعاني فيه ،  وتسبَّب لنا الفرقة والمشاكل المرّيرة التّى نتجوَّل فيها طوال السّنين الماضية وحتى الآن،  فضلاً عن الدَّمار الهائل الّذي شكَّل في جميع أرجاء الصّومال ، ذالكم ما كلّفني  أن أخطّط الحبر على الورقة  كعنوانٍ على هذا المقال غير آبهٍ بالرّدود الفعلية الناتجة عنه ، إذ لاشك أنّ التَّكلم عن هذا محفوف بالمخاطر  في هذه البقعة ، ويلزم عليك اللوم وحتّى الغضب أحياناً إن أصرت بنبشه وتفتيشه ؛ لكونها نقطة الضَّعف الحسّاسة لدى طلّابنا !.

           ولأحْكمَ بشدّة حقيقة ما أروي لكم ، فسأدعمه بعضاً من الحوادث التّي عايشت بها  هذه الأيّام :

1 – حسب المُتوقّع من أمثالي  كنت مشتاقاً لأصدقائي بالسُّودان الّذين لم تكتحل  مقلتاي رؤيتهم سنيناً طوالاً ، وكنت مهتمّاً بلقائهم وزيارة مساكنهم والحديث معهم واحداً   واحداً ، فألْفيت – فجأةً -  أحدهم ماشياً قرب إحدى المقاهي في وسط المدينة والتّى  كنت جالساً فيها ، فناديته من بعيد ثمّ هرع إليّ مبتسماً ، وقابلته بوجهٍ طلقٍ قائلاً :  مرحباً  ياحبيبي  ... ياعزيري ، و بعد المعانقة التّي تثبت الصَّداقة الأزليَّة بيني وبينه ،  سرعان ما اعتذر إليَّ من أنّه لم يساهم بترحيبي في مطار الخرطوم قائلاً : ( رفيقي  قد  كتموني بقدومك ، والعلّة الأكبر أنّني من قبيلة فلانة ، إذ يدور بيننا وبينهم – يعني  رفقائي  الذين  رحّبوني -   صراعٌ  في بعض الأمور   ) ! ، قبلت الإعتذار مستغرباً بكلامه ،  وبدأت  بعد فراقه أبحث ماإذاكان ما أخبرني به صدق أم بخلاف الواقع  ، فوجدت بعد  بحث  عميقٍ  أنّه صادق  !.

2 – في إحدى جلساتي التّى جمعتني مع ثلاثة من الأصحاب ، وكنت عارفاً بإثنين فقط ،  وبعد التَّعارف مع الرَّجل الجديد تفوَّه بكلمةٍ أدهشتني قائلاً : ( هل تعرف يارجل قبيلة  صديقك هذا ؟ أماتدري أنّه يجري بين قبيلتكما صراعٌ شرسٌ في إقليم فلان ؟! )...  استخففت قوله ، وماعرفت علاقة كلامه في الحديث الجاري في النادي ، فأجبت له  وذكرت بأن ذلك لايعنينا ولايهتمّ بنا ، فختم بكلامه  : ( لقائنا بعد سنة من هذه الساعة  فسنرى إن لم يتأثّر بك الأمور الجارية )  !!! .

3 - أخبرني موثوق كان بحضرة المطار أثناء رحلتي إلى السّودان  بأنَّ أحد الأصدقاء والَّذي  كان من ضمن منتظريَّ ، طرح لهم نقاشاً ، أما تدرون ياأصحابي أنّ عبدالله كسمايو من  قبيلة فلانة التي جرى بيننا الخلاف إذ لايستحقُّ بنا الترحيب ؟! فاختلفوا الصواب بهويتي ؛ هو من قبيلة فلانة ، قاله واحد منهم ، نهض آخر  بجرئة ؛ بل من قبيلة فلانة... الخ ، واستمرّوا الجدل إلى أن ارتفع ضجيجهم ، فحكموا بأحد أقربائي الذي كان  معهم ليكون حاكماً بينهم ، ومن هنا يتَّضح لك تأثير القبيَّلة في وسط طلابنا بالسُّودان  !.

وأما الروابط الطّلابية المتواجدة هنا فحدّث ولاحرج !!! ، حيث تعتبر بأنّها كيانات قبليّة  محضة  فمثلاً : إذا حان موعد الإنتخابات بينهم تراهم يحرصون عقد مؤتمرات جانبية  ليفوز كلّ  شخصٍ  بهذه الإنتخابات ويشتدّ بهذا ماإذا كان المرشَّحون من قبائل شتّى  فيكون أساس كل  مؤتمرٍ على عشيرة المنتخب .

وأما التعاون فيما بينهم فنزرٌ وبقلّة ، وليست هذه الرابطات -  التى يسمونها الكثير بأنّها مسميات - تحرّضهم بتحسين التعامل بينهم ، مثلاً: إذا مرض شخصٌ ينتمي إلى واحدة من هذه الرابطات أو أصابته مصيبة أخرى فلاتجد الروابط تبسط للضرير يد المعونة أصلاً ، مع أنّي خُيّلتُ بكثرتهم أنّ كلّ عشرة أشخاص من الطّلاب تتّحدهم رابطة ، ويرجع سبب ذالك ما أشرت بعنوان المقال فأصبحت الرابطات لاتحصى .

ولاشكّ أنَّ الله خلق الإنسان بحيث جعلهم قبائلاً شتّى ، وكانت الحكمة الإلهيّة التّعارف فيما بينهم لا  القبليّة التّي قال الرسول صلى الله عليه وسلم عنها : "دعوها فإنّها منتنه " كما في صحيح البخاري ، أضف إلى ذلك ماينتج عنها من إحكام النّسل حتى لايكون هناك غيرمعروف في أصله كما قال تعالى في سورة الحجرات : " يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنّ الله عليمٌ خبيرٌ " ، ولكن بدا لي بعد إمعان نظرٍ شديد أن الواقع الذي يعيشه طلابنا في السودان واقعٌ مرّير مليئ بالقبليّة والتمييز فيما بينهم ، حتي شكّلت القبليَّة البغضاء والشحناء والعداوة فيما بينهم !.

ويكتنف الغموض حقيقة من يقوم وراء هذا الصّراع الشديد بين الطلاب ، وأتساءل  أحياناً  ماإذا لم يكن هناك نفع كبير  يُستثمرْ فماهو الدافع الحقيقي بتشكيل تجمُّعات  قبليَّةٍ في  أحضان العلم ؟! ، أم أصبحت القبليّة وراثيّة من السّابقين ويتلازم من ذلك  حفظها ؟! ، أم هل  كانت وصيّة في جعبتهم منذ رحيلهم من أكناف بيوتهم  فيخاف كلّ  واحد ضياعها ؟!!! .... اسئلة  لم يتمّ العثور على أجوبتها  .



كـافـــة الـحـقــوق محفـــوظــة لمــــدونـــة عبـــداللــــــــه كســــمــايــــو