مرحباً بكم أعزائي الكرام

مرحباً بكم أعزائي الكرام

الغلّو ودور العلماء في معالجته

0 التعليقات


 يطيب لي ان اتحدث في هذه العجالة عن الموضوع أعلاه، وإن كان الموضوع يحتاج إلى دراسة أدقّ، وبتوضيح أشمل، لكنني أسلط الضوء على عدّة جوانب هامة تتعلق بهذا الموضوع،  ولطالما يكون المقال وجهة نظر لصاحبه، فإنه يحتمل الخطأ والصواب ويحق لكل أحد التصحيح والنقد ولاجرح.
يعد ماهية الغلو من الأمور التي أصبحت بديهية بأن يدرك كل شخص وبدون عناء؛ إذ أصبح الغلو عادة تلزم على رقبة كلّ من ينتسب إلى الحراك الإسلامي في زماننا، ولربما نتجت هذه الأفكار الدامية عن مرارة تعامل دول الغرب ضدّ الأقليات المسلمة، ولأجل هذا حصل الغلو تبريرا قويا في أوساط المجتمع، ودافعا لايعيب صاحبه تحت عباءة دينية تحارب لأجل إعادة الرخاء والسلام في ربوع بلاد المسلمين، ولكن الأمر آل إلى ماهو أوجع من ذي قبل حيث تضرر بأيادينا –نحن كمسلون- كثيرين، غالبيتهم المسلمون وغيرهم من ضعاف الأمة المعتنقين بالأديان الأخرى، ممن حرّم الله علينا أن نعتدي عليهم فرار من تشويه سماحية الإسلام، فبلغ السيل الزبى!، وأصبحت الحركات التي تنتسب إلى الإسلام أكثر ضررا من أعدائنا وهذا ملحوظ قد يتفق العالم بأسره بصدق المقولة!، وتحريا من العواقب السيئة التي ربما تعيق الجهود الدعوية الجبارة لعلمائنا أصدر ثلة من علمائنا مافيه الكفاية من فتاوي عصرية  كلها توصي بصيانة دماء الأبرياء.
وحتى لانتعمق في سرد المآسي أو حتى لايذهب خاطر القارئ بمكان بعيد فلنشرع في صلب الموضوع حتى نصل إلى فكرة المقال بوقت وجيز، وجدير بأن نوضح معنى اللغوي والشرعي لكلمة "الغلو" التي تتكرر في المقال، فقد عرّف بعض علماء اللغويين بأنها: مجاوزة الحدّ، ومنه غلا السعر وغلا القدر، ومجاوزة القدر في كل شيء.
وشرعا هو: "المبالغة والتشدد في التدين التي يلزم منها تجاوز ضوابط الديم ذاته، وكما يقول الحافظ ابن حجر الغلو هو المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد"، ومنه قوله تعالى: "لاتغلوا في دينكم"، وجاء في الحديث "إياكم والغلو في الدين".
وهي ظاهرة قديمة برزت إلى السطح منذ أن أودع الإنسان في هذا الكون، فعلى سبيل المثال في زمن نوح عليه السلام غلا قومه في حب الصالحين الذي اشتهروا بقربهم لربهم وصلة الأرحام وكل الأشياء المحمودة، فنصبوا لهم –بعد موتهم-  أعلاما تذكرهم بمحاسن هؤلاء الصالحين؛ ليقتدوا بهم وليفيقوا من غفلة الحياة التي تلزم على رقبة كل أحد أوان رؤيتهم بصور هؤلاء، فتطورت الأمور وتوارث جيل بعد جيل بهذه العادة حتى تحولت الأمور إلى شيء آخر لم يتوقع!؛ أصبحت مقابرهم أصناما يعبد من دون الله، يأتي الواحد منهم ليستغيث بجثتهم، يسرد على أرواحهم احتياجاته الفردية وماتتوق إليه نفسه فضلّوا وأضلوا قومهم عن سواء السبيل، وقد نزل الله فيهم آيات تتلى فيها من العبر مايكفي، فيقول تعالى: "وقالوا لاتذرنّ آلهتكم ولاتذرنّ ودّا ولاسواعا ولايغوث ويعوق ونسرا".
قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير هذه الآية: "صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ودّ فكانت لمراد ثمّ لبني غطفان، وأما يعوق فكانت لهمذان، وأمّا نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلىى مجالسهم التي كانو  يجلسون أنصابا وسمّوها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت" اهـ..
ليست هذه فحسب، بل هناك كثيرون حكى القرآن عن غلوهم أبرزهم اليهود والنصارى، وقد ورد في كثير من المواضع ماحدث بينهم  وبين رسلهم وعلمائهم، وما آل إليه مصيرهم وتعودهم بهذا الدأب القبيح، ففي سورة التوبة: "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمرو إلا ليعبدوا إلاها واحدا... الخ ".
أسباب الغلوّ:
قلة الفقه في الدين وعدم النضوج العقلي، والتقليد والتعصب الأعمى، والإستقلالية في استنباط الحكم الشرعي دون ضابط محدد، وانعدام التربية الحقيقية الإيمانية القائمة على مرتكزات ودعائم قوية من نصوص الوحي، من أبرز مايجدر إشارته حينما نتكلم عن أسباب الغلو، وهذا شيء واقعي في زماننا، ترى الواحد منهم يكفّر ممن هو أعلم منه بأمور ثنائية لاتوحي بخروج صاحبها عن الملة، وهذه الظاهرة تكون أشد وضوحا وإدراكا حينما تعيش في بيئة تسيطرها حركة من الحركات الموجودة  في الصعيد السياسي، أتذكر مرّة وفي إحدى رحلاتي التعليمية في الوطن تشاجرت مع أحد هؤلاء الفتيات المتحمسين حينما أساء إلى شيخ من شيوخنا الأجلاء بتهمة أنه ارتدّ عن الإسلام لطالما سجل اسمه من ضمن علمائنا الذين أتاحوا فرصة لشريف شيخ أحمد –الرئيس السابق- ليطبق الشرع في ربوع الصومال إثر فوزه بالإنتخابات وليسحب القوات الأجنبية وكالقصة معروفة لاتحتاج الى تذكير، تخيل شاب صغير لم يبلغ حتى الثامنة عشر من عمره يحكم ارتداد هذا الشيخ بناء على فتاوي شيوخ الحركة –إن وجدت-، وحينما تشاجرنا وعلا ضجيجنا أشار لي بالسبابة مسدسة كانت في خاصرته ليبرز لي عضلاته القوية التي لاترحم، مضيفا بكلامه بأنني سأكون من ضمن الموتى التي أهرقت دمائها تحت العباءة الدينية وبأرخص الأشياء، مما أجببرني بأن ألوذ إلى الصمت وأن أطأطأ رأسي أمام هذا الشاب!.
صور الغلوّ:
لايمكن بحصر صور الغلو في سطور بسيطة كهذه وإنما أنبه بأبرزها حتى تكون مدخلا  للراغبين بأن يتعموا في إدراك ماهية الموضوع، ومنها: الغلو في قبور الصالحين، والغلو في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وتصوير الأنبياء والصالحين واتخاذ تماثيلهم، وتحريم المباح أو المشروع تعبدا، وتحليل الحرام، والتشديد على النفس بماهو زائد عن الحد المشروع، والمبالغة في مدح الأشخاص لأغراض معينة، وتبديع الناس وتفسيقهم بمجرد الهوى والظن، والاستبداد بالرأي وتجهيل الآخرين، والتسليم بصحة كل مايقوله العالم، والزعم بأنهم يحيطون بكل دقيقة وجليلة.
دور العلماء في مكافحة الغلو:
وبما أن العلماء ورثة الأنبياء وحملة الدين، لهم دور فعال في تصدى الغلو وانتشاره في المجتمع الإسلامي، فهم درع الإسلام ولسانه الحاذق حينما تتوالت الإشاعات التي تهدف بأن تعيق نشر الإسلام، إضافة إلى ما منّ الله عليهم من التفقه في الدين وإجادة الفروق بين الحق والباطل بدقة، وبناء على هذا فعليهم –وإن قدموا للأمة بعض الجهود التي تستحق بالذكر- بأن يشمرو بساعد الجد لتصدى هذه الظاهرة التي تسم رائحة الإسلام وتشوه صورة السمحة وهذه بعض الخطوات التي ينبغي للعالم مراعاتها:
1)-  ضبط المناشط اللامنهجية في المدارس سواء كانت في التعليم العام أو في حلقات التحفيظ وحسن اختيار القائمين عليها.
2)- محاربة الغلو والتطرف بجميع أشكاله ومسبباته وتحريمه وإيراد النصوص  المحذرة منه والمنفرة منه ومايترتب عليه من أضرار عقدية واحتماعية.
3)- نشر الوسطية والإعتدال عقيدة وشريعة وسلوكا وتطبيقها عمليا والحث عليها والترغيب فيها.
4)- التوازن فيى الطرح الإعلامي والديني بحيث تكون المخرجات مستقيمة عقيدة وفكرا وسلوكا.
5)- تجفيف بعض منابع الغلو والتطرف وسدّ حاجات الشباب العلمية والعملية حتى لايستغلون استغلالا سيئا وتستغل حاجاتهم للعمل وللمادة أو نقص مستواهم التعليمي.
الالفاظ ذات الصلة:
1)- التطرف، 2)- التنطع، 3)-التشدد، 4)-العنف.
 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع والمصادر :
1)-  الغلو، مفهومه وحقيقته وصوره وأسبابه وعلاجه\ لأبي سلمان عبدالله بن محمد الغليفي.
2)- الدور الفكري للمؤسسات الدينية في مواجهة الغلو والتطرف\ للدكتور سعيد بن مسفر الوادعي.
 (3)- لسان العرب 15\134،مادة غلا.
(4)-  ابن ماجه في كتاب المناسك باب قدر حصى الرمي 2\1008 .
أألي

عينٌ على صفات أساتذتي !.

0 التعليقات


أساتذتي أثّروا في حياتي، فأصبحوا منارة أهتدي بها في الليالي الحالكة، وشعلة شديدة التوهج أبصر بها المحاسن والأشياء الجميلة، ومعيناً تنصبّ من كلّ حدبٍ وصوبٍ أنهل منها في أوان العطش، وسلاحا أتسلح به متي حمي الوطيس، بذلوا كل جهودهم الجبّارة ليذللوا لي الطريق الوعر والشاق، فاستطعت عبوره بكل سهولة، كانوا يلقنونني دائماً بأن الحياة اللذيذة وراء المشقة العصيبة، وأن الآمال والأحلام ستحقق يوماً رغم التحديات المتلاصقة، وأن الولد لا يصلح حال أمته المنكوبة إلا أن يكون لكبارها وعجائزها كنعلين ناعمتين يستخدمون للمشي كيف مايشاؤون ومتى يشاؤون، فصاروا مصدرا لإلهامي ومنبعاً هامّاً أمتص منه الفوائد والحكم والدررالتي أصبحت معدومة في هذا العصر الذي كثر فيه الإنحطاط والتهكُّم !.

بدأت حياتي معهم في وقت مبكر من ريعانة الطفولة مماأتاح لي أن لاأنزلق إلى مستنقع التأخر والتخلف، فازداد لي صحبتهم ثقة قوية واعترافا بقدر نفسي بسهولة وأنه ليس هناك مالايطاق أصلاً، فشرعت أن أوجه نفسي نحو المفيد والمستقبل المضيء الذي لازال مشرقاً بين يديّ حتى كتابة هذه السطور، فانقادت لي جوانب الحياة كلها سهلها وصعابها، وحتى لاتطول القائمة فإليك من تعايشت معهم من الزمن مايكفيني ومن أبرز هؤلاء  :

1.      الأستاذ سلطان أحمد ناصر، شخصية مهذبة، وصاحب القلب السليم والحلم الجميل، الذكيّ البارع، ذو الجمال اليوسفي وذو الصوت الجهوري الجذاب، الأديب الرائع ولينّ العريكة، درس لي الأدب العربي في المرحلة المتوسطة وكنا نغنّي معاً بين كل عشيّة وضحاها بتلك القصيدة الرائعة التى لازلت أحنّ إليها في كبري والتي كان مطلعها (مسلمون مسلمون مسلمون... حيث كان الحق والعدل نكون).

2.      ولاأنسى المربي الكبير العطوف الأستاذ محمد حسن أشكر، المتحلي بصفة التواضع والخلق الرفيع، أصبحت حياتنا مطلة منذ مطلع هذا القرن المبتدئ، كان شعلة مضيئة في حياتي فعقد الرمان في نفسي، القويُّ البنية  وذو العضلات المفتولة، شهّام دمث الخلق رقيق المشاعر كريم السجايا وماهر بلغة الضاد، رباني صغيراً فأحسن تربيتي وأرشدني أن أدلى دلوي في عالم الكتابة لما اشتدّ عضدي، كونّا علاقة ضاربة في جذور الودّ وفي سحيق القلوب، تجاذبنا أطراف الحديث في فصول التعليم وصالات الأفراح في المهجر بعد النزوح الذي عم الجميع.

3.      ومنهم الأستاذ محمد عمر بري المعروف بــــــ (توبي tube)، اللين الفريد في عصره، جمع الخصال الحميدة كلها، كثير التحمّل، نشيط في العمل وصبور في الكدّ والمتاعب، متواضع من نوع آخر وصاحب قلب سليم،كثير التحرك في إلقاء المحاضرة، وكان –في جميع أحواله- حريصاً بتفقد أحوالنا متى انقلبنا من دراسة مادة الجغرافي، وممايهمه أكثر حال أمته المنكوبة التى لم تحصل من يجبر كسرها بصدق وإخلاص رغم تنديداتها الشديدة وصيحاتها الأليمة كل صباح ومساء.

4.      أضف إلي القائمة الأستاذ بكر حاج عمر، صاحب الإبتسامة العريضة، نبيل قبل ان يستنال، كثير المزاح ، لين الجناح، الخلوق وصاحب النشاطات الرائعة، يحفظ من القصص مايكفيك.  فجرّب الحياة بكل أنواعها فأصبح شخصية لاتنسى.

5.      ولنرصع بالقائمة الأستاذ عبد القادر أحمد حسن، صاحب الحكايات الجميلة والمشاعر الجذابة، النقيّ في تعامله مع الآخرين وصاحب الأيادي الرفيقة ، الوفيّ في حياته، ذو القلب النابض بحبّ طلابه، كثير الإندماج في سلك الطلاب للتواضع، لديه من التاريخ والحوادث ماينسيك بحاجاتك الماسة، درس لي العلوم في المرحلة المتوسطة فكان مدرساً ممتازاً وشخصاً عظيماً يستحق بالذكر.

6.      ومنهم خالي الحبيب محمد بدي عبده، الخطيب المفوه، المأمون البوائق، غزير العطايا، كريم يعطي قبل السؤال، وللخير في وجهه رسوم، اشتهر بالليونة والمرونة، في العشيرة معظم، وفي الندى مكرم، جميل الخطّ وناصح بامتياز، حشيم ومتواضع أيضاً.

7.      ولن أهمل المربي الحنون الأستاذ عبدالرشيد، شعلة المجالس، مجتهد وعالم ربّاني، حريص بأداء واجبه التدريسي على أكمل وجه، قوي في تصدى الأخلاق الدّخيلة اللّادينية، غيث في المحلّ ومفيد في المحافل، عاقل بلا تفلسف، شجاع بلا جدل.

8.      وفي سلك الخرز الأستاذ أحمد وامو، العملاق الشامخ، هزم المعضلات بحلها، فجعل الصعاب بسيطة، بدر يضيء الظلام، رحيم متفتّحٌ ومربّي الأرواح، يهطل مطره الغزير على الأرض القاحلة فتغدو خضراء يانعة، مدير رائع، يحبُّ بأن يحلل المشاكل بالتفاوض السلمي والطرق السليمة.

9.      ومنهم الشاعر اللبيب عبدالله محمد محمود، أديب القرن وصاحب الألحان الحماسية، ومازال صوته يرنّ في رأسي وقد كبر سني، تعلمت منه أن الشعر عالم آخر يأسرك بجماله وروعته، رجل جذاب خلوق، وإنسان نشيط لاتنصرف عنه العيون ولاتختار الآذان بسماع غيره وهو موجود، مأنوس متفاهم ليس بفظّ ولاغليظ ولامزعج، مناضل وحريّ في تحريض شعبه الأبيّ، المنشد بالكلمات المشهورة:
Gumeysi ish weeye, uf weeye, akh weeye, tigreega eryaaaaay

10. ولن أتعامي بفضل تلك المتدينة المحجبة الأستاذة فاطمة عبدالله محمد، الخجولة الذكية الحنونة، كانت تبذل قصارى جهدها المبارك لتوجيه طلابها نحو الأفضل والأحسن، لينة الجناح وتسمع بآراء طلابها ولاتجبرهم بمالايطيقون، تمتلك خصال الأمومة كلها وقد يعجز الكلام عن وصفها.

11. وأختم بالذكر الأستاذ أحمد قرني، الحليم المتواضع والنجم الساطع، الورع الطاهر، صاحب النصائح والعظات الثمينة، بنى العقول بإصرار وتضحية، فهذب الأخلاق ونمى العقول، وهذا مايميّزه عن غيره من الرجال.


     مرّت بنا تلك اللّحظات الجميلة التى تقاسمنا معاً الفرحة والسرور دون أن أشعر، ورقصنا معاً علي أهداب الزمان بخيلاء وشموخ، وتحمّلت لنا الأعوام والساعات أخبارا سارة مليئة بالأفراح والبشائر والأنذار المبكرة للأشياء الجميلة في حياتنا، وأتعجّب دائماً كيف مرت الأعوام هكذا سريعة وكلمح البصر، ،  ومن الصعب أن أنسى تلك الأرواح الزكية   الذين كانوا رفقائي في الحل والترحال في ريعانة طفولتي، ولن يزال قلبي ينبض حبّهم السرمدي وحنينهم الجارف، وأسردت لكم هذه الكلمات لأبوح  لكم ما يجيش في صدري من الحب والغرام.

مسلمو كينيا... في قفص الإنتقام

0 التعليقات



     بدأ الأمن الكيني يتدهور تدريجياً منذ ان اعطت الحكومة الكينية جيوشها الضوء الأخضر  بدافع الذود عن الوطن، والقضاء على الخطر الذي يهدد أمن الوطن  وهو حركة الشباب المتشدده التي برزت كجزء من ظاهرة المحاكم االإسلامية، وكانت الحركة تسيطر معظم الجناح العسكري للمحاكم الإسلامية فخاضوا معارك عنيفة مع الدولة الصومالية  التي اسست في قرية امبجاثي من ضواحي نيروبي وتم انتخاب المرحوم عبدالله يوسف أحمد كرئيس للحكومة الإنتقالية التي كونت من زعماء الحرب الذين كانوا يسيطرون جلّ الأقاليم الصومالية آنذاك.

    وتميّزت حركة الشباب عن غيرها بقساوة الفكرة، وشدة الحكم وشذوذ المعتقدات، فكانت الحركة تنظر بعين التهديد والتخويف نحو كل من أنكر أفعالها المبنية بالعنف والتشدد، بينما كانت تمارس دائماً في تخلص حياة كل من سوّلت له معارضة أميرها المغتال؛ مماأودى بحياة جزء من نخبة زعمائها بعد تمردهم ببعض قرارات زعيمهم كإبراهيم الأفغاني ومعلم برهان وابومنصور الإمريكي الذين اغتالتهم زبانيّة الحركة قرب مدينة براوي الواقعة في اقليم شبيلي وذلك بعد إصدار  تقريرها المشهور الذي سمته بـ (هذا بلاغ للناس) والذي بدا كتحذير لهؤلاء المغتالين، وظلّ بعضٌ من زعماء الحركة يستبدون للحكم وينفردون دون زملائهم في الساحة؛ إذ كان غودني المغتال - في يوم الإثنين الواحد من سبتيمبر  2014 قرب مدينة براوي- عنصرا نشيطا في الحركة وقائداً مسيطرا وعضواً فعالا بل كان عمودها الفقرى، وقد أعلن غودني قبل اغتياله بوضوح أن الأمن الكيني سينزلق إلى مستنقع الفوضى إن لم تتوقف كينيا بتدخل الولايات التى تسيطر الحركة، وبعد تلك اللحظة الفارقة خططت الحركة مخططات جديدة للقيام بردود أفعال شنيعة، وتحويل المعركة إلى عقر دار الكينين، لإجبارهم بسحب قواتهم من الجنوب.

وضاعفت حركة الشباب العلمليات التي أفزعت البلد وأربكت المواطنين ، ففي 21 من سبتيمبر  2013م هاجم عناصر من الحركة مركز تسوق ويستغيت وسيطرو عليه لمدّة أربعة ايام وقتلوا في داخل المبنى 67 شخصاً وأصبح الهجوم ضربة قاصمة للاقتصادي الكيني، وكما ذكر للصحفيين أحد الذين نجوا من داخل المبنى: "إن بعضاً من العناصر المسلحين غيّروا ثيابهم في داخل المبنى وتسللوا إلى الخارج في حين كان الجيش الكيني مشغولا بانقاذ المتضررين من صفعة حركة الشباب التى لاتبقى ولاتذر"، وتتابعت عمليات الحركة ضد الكينيين الذين استهدفتهم الحركة بسبب معتقداتهم الدينية لا انتماءاتهم السياسية واستمرت الهجمات بوتيرة متصاعدة وبخسارة فادحة أشد من ذي قبل وقد ركّزت الحركة بعضا من المناطق الكينية كــ (لامو وقارسا ووجير وممباسا).

وبعد مقتل قائدها الروحي غودني تولّى  زمام الحركة أحمد ديريي الذي أوصى غودني بأن يكون خليفة بعده ويذكر أن موقف الرجلين متقارب جداً وخصوصا الجوانب العسكرية ومواجهة أعدائهم وتشكيل خلافة إسلامية تظل القرن الإفريقي ممتدّة إلى أقصى بقاع الأرض، فبدات الحركة توجّع أعدائها بالهجمات الدائمة والمفاجئات الموجعة، ففي مطلع شهر دسيمبر من السنة الماضية نفذت جماعة من حركة الشباب المتشددة - ثأراً لزعيمها المصروع - بمجازر شنيعة في منديرا قرب الحدود الصومالية وراح ضحيتها بضع وستون من غير المسلمين والذين كانو متجهين نحو العاصمة الكينية بعد عودتهم من عملهم ومعظمهم كانو يدرسون المدارس الحكومية في القرى التابعة لمنطقة منديرا الحدودية، بينما كان البعض الآخر يعملون من منجم يستخرج منها أحجار البناء، وقد ميّزت جماعة الشباب المسيحين عن المسلمين وقد تمّ ذلك بعد سؤالهم بعدة أسئلة تتعلق بالقرآن كالفاتحة وغيرها.

ولم تتوقف المجازر بهذه فحسب ففي 2 أبريل من هذه السنة تبنت الحركة الهجوم الدامي الذي استهدف بجامعة قارسا ويعدّ هذا الهجوم من أعنف الهجمات التي تلقتها كينيا من قبل حركة الشباب وأسفر عن مقتل 150 طالبا وطالبة وأساتذة لجامعة قارسا، وأكد علي طيري المتحدث الرسمي لحركة الشباب المتشددة معلقاً على الهجوم الذي تبنته الحركة: "إن الذين تمّ استهدافهم كانو مسيحين فقط وأنهم ميّزوا المسلمين عن المسيحين قبل الإبادة الجماعية، وتوعّد لكينيا بأن عملياتهم ستسير على قدم وساق ولن تتناقص إن لم تكفّ الحكومة الكينية أيديها عن التدخل بشئون الحركة وحكمهم الذي يخدم ماسمّاه لمصلحة المسلمين".

يذهب المحللون وخبراء سياسيون أن وراء تمييز المسيحيين عن المسلمين أثناء تنفيذ عمليات الحركة في كينيا سياسة عميقة لصالح حركة الشباب وهي تقسيم الشعب الكيني دينياً وعقدياً والتي تمنح فرصةً كبيرة لنشاطات الحركة وتؤهلها بأن تبسط امبراطوريتها الى الأراضي الكينية وتزداد الشعلة لهيباً وتوهجا؛ ويستدل المحللون برأيهم أن ماتدعيه الحركة من حماية دماء المسلمين في داخل الأراضي الكينية لاتصدقه الأحداث والوقائع مثلاً : في العاصمة الصومالية يموت زهاء آلاف من الشعب البريء المسلم  في ظل العمليات الإنتحارية التى تنفذها الحركة، وكانت تستهدف الشعب في المجمعات والأندية والملاهي والمقاهي والمراكز التجارية، ثم أخيراً في المؤسسات التعليمية، مما جعل عملياتها غير إنسانية في نظر العالم بأسره، وتذرعت الحركة أن كل من أودت هجماتهم ممن لايستحقها على ضوء فكرتهم المشينة سيبعث -وهو بريء- على نيته الخالصة وسيبقى شهيداً في معيارهم الديني، وأمّا في كينيا فإنهم ينقذون ويسعون لمصالح المسلمين !.

     أدخلت هجمات حركة الشباب الأقليّة المسلمة  بكينيا في قفص الإنتقام والإتهام؛ إذ ذكرت الحكومة الكينية أن الخلاوي القرآنية والمدارس الإسلامية وبعض المساجد كلها تعتبر محاضن للإرهاب، فاختطفت الحكومة بعض رجال الدين وفتيان ناشطين ولم ير لهم أثر بعد الإختطاف إلا القليل منهم ممن رموا كالجثة قدام منازلهم وقد تلقوا بالتعذيب الجسدي!، وكذلك استجابت الحكومة الكينية بعد تلك الهجمات المتتالية بإغلاق المصارف المالية التي كانت تعتمد عليه حياة مئات من المسلمين المنتظرين بنفقاتهم العائلية عن أقاربهم الماكثين في المهجر كإمريكا وأوربا مثلاً، وصارت لطمة شديدة في خدّ معظم مسلمي كينيا بينما أصبح الإقتصاد بحالة ركود ملحوظ -وإن كان الصوماليون أكثر تضحية لرود الحكومة الكينية-، والتهبوا بتوهّج نار نتجت من أفعال حركةٍ لاتمثلهم ولاتسعى لصالحهم أبداً وصاروا ضحايا للإنتقام الكيني دائما، ومن استجابات الحكومة أيضاً أن قامت االحكومة الكينية بتجميد أموال الكثيرين من ابرز علماء وتجار المسلمين في كينيا وأضافتهم إلى قائمة المتهمين بتمويل ماسمته الحكومة الكينية بالإرهاب وتسهيل الهجوم الدامي بجامعة قاريسا، ومن بين هؤلاء  رهط من علماء المسلمين في كينيا الذين تبحثهم زبانية حركة الشباب المتشددة لترقهما في سلك المغتالين وذلك لكثرة ردوداتهم الدينية بنشاطات هذه الحركة التي لا تمت للإسلام بصلة فأصبحوا كالمستغيث من الرمضاء بالنار، ومن بين هؤلاء المتهمين أيضاً من قضى نحبه ووافته المنية في وقت سابق مثل الشيخ حسن عبدالرحمن الذي توفي بنيروبي في نهاية العام المنصرم.

القسوة في الخلوات القرآنية

0 التعليقات
كان القلق يوقظني ويمنعني من الرّقاد وكانت الأحزان تغمرني طوال تلك اللّيلة التّي أخبرتني شقيقتي عزيمة الوالد – حفظه الله ورعاه – بأنه سيودّعني غداً إلى عالم الخلاوة القرآنية، ولم تكن نفسي راضية بهذه العزيمة لتكرر شكاوي الأقران على أذنيّ وفرارهم المتلاحق منها لقسوة مدرّسيها وغلظتهم الجافّة، بيد أنَّه اشتَّد عليّ الخوف لما علمت اتفاقيَّةً سريّة  بين الوالد والمعلم إذ سيكون دمي هدراً إن نالني  شيء عن المدرس كجراحةٍ أو إتلاف عضوٍ أو حتّى وإن جاءت منيّتي بيده، وليس لدى الوالد أيّ خيار ثان يتيحه برفض هذا الشرط الفاسد بكل مقاييس البشريّة وكان مجبوراً بقبوله لقلة أماكن التدريس الممتازة آنذاك ؛ إذ الغاية الأسمى للوالد أن يحقق أحلامه  قبل رحيله إلى الحياة الأبدية والدار النعيم، وكان المدرس متقنا فريداً ومخلصاً بعلمه، متواضعاً في مجتمعه، وناشطاً فعالاً في ميدانه، لكنه كان يشتكي بأنه لايتحكم نفسه أوان الغضب ولهذا اشترط بشروط قاسية جارحة لإتقان عمله المبارك معتمداً بالمثل الصومالي :
)Ama afeef hore lahoow ama adkeysi danbe(

نعم... كان البكاء الدائمة سمةً لي، وكان أنيني يفزع الأهل في الساعات الأخيرة من الليل شاكياً بوجعٍ أليم كالملاريا وأمثالها مع سلامتي ومعافاتي ؛ إذ القسوة التي تلقيتها عن المدرس تجبرني ببحث أيّ طريقة تمنحني باستراحة يومٍ أو يومين عن الخلاوة القرآنية، وكنت في نعومة أظفاري غير متحمّلٍ بهذا العنف الشديد الذي لايزال يهاجمني بين عشيّة وضحاها ، وفي غضون ذالك كانت تحركاتي البسيطة في ساحته تثير غضبه وتحمرُّ عيناه وكأنه في حربٍ ضروس فضلاً من أن أجلس بكيفية اعوجاجية أو لدي حاجتي الي الحمام أو هكذا، وكنت على حذر دائم ومشاعري نحو ذالك السوط اللعين الذي لايفارق دائماً بيمينه، وكلما حصلت فترة قصيرة للتفكير أتسائل في نفسي أسئلة عديدة منها : حسناً... هل من ملجأ لتلوذ بالفرار ؟! إلى متى ستستمر في هذه الورطة القاسية ؟! هل لك باختراع أيّ فكرة لتتخلص هذا العنف؟!...

لم يظهر لي أيّ اختيار سليم ينقذني ويودعني إلى واحات الأمان  لأن الأسرة أجمع قد أشرب في قلوبهم القرآن العظيم وليس فيهم من يترحّم لي إن شكوت له، ولازمني الإحباط تلك المدّة الحرجة ولم أجد أيّ حلّ لأتخلص منها أو لأخفف آلامها على الأقل، واستنتجت من كيفية تعامله معي استنتاجاً خطيراً بأن القرآن والقسوة توأمان ولايفترقان أصلاً !.

وبعد فترة طويلة شاءت الأقدار أن أنسلخ ماأعاني به من تعذيب شرس، واضطهاد فادح بعد اكمال حفظ القرآن خلال تسع شهور مباركة، وكرهت الماضي كله لتلك المدّة التي لازالت ذكرياتها تؤلمني في وقت كبر سنّي وأصبحت رجلاً فحلاً !، وفعلاً ليس هذا محصوراً بي فحسب بل المشكلة بارزة في المجتمع، عانى بها كل من مكث في عالم الخلاوة القرآنية يوماً والسؤال التى تتبادر إلي ذهن القارئ : لماذا القسوة والقرآن متلاصقان ؟ هل فقرات القرآن تأمر المدرسين بهذه الغلظة الشنيعة ؟ أم من دأب أهل القرآن القسوة والغلظة ؟ لماذا دائماً....؟!.

نعم... لاغبار بأن الشريعة السمحة مبنيةً باليسر والرحمة واللطف بالخلق أجمع وهذا مانصّ عليه القرآن في أكثر من موضع واحد قال تعالى :"فبما رحمة من الله لنت لهم ولوكنت فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك"(1  وقال أيضاً: "وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين" (2) والآيات في هذا المجال كثيرة لاأحصرها ، ولاشكّ أيضاً بأن الضرب والتأديب مما لابدّ منه ليخطط مستقبل هذا الطفل الذي لايعرف كوعه من بوعه ولتكون زاجرة عنه من التساهل والكسل اللّذان هما من طبع البشريّة واتفقت جمهور الفقهاء على مشروعية ضرب الأولاد في الشريعة مستدلين على لفظ الأمر الذي حمله جمهور الفقهاء على الوجوب - كالحنفية والشافعية والحنابلة – وهو الحديث الذي رواه  عبد الله بن عمرو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْر سنين وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِع" (3)

والضرب بشكل عام عقوبة يجوز استعمالها شرعاً فقد شرع الضرب في الحدود وفي التعزير وشرع ضرب الزوج لزوجته في حال النشوز وشرع ضرب الأولاد تأديباً لهم على ترك الصلاة وغير ذلك من الحالات ولكن ضرب الأولاد يحتاج إلى تفصيل وتوضيح والأهمّ منها أن نحمي خاطره من الإحباط والتشاؤم عن سويداء قلبه ولمجابهة تسوء نوايا الخلاوة القرآنية.

   يقول الدكتور محمد المهدي (4) : "وادعاء أن العملية التعليمية والسيطرة على الطلاب لا تتم بدون ضرب يعكس ضعفا في المهارات التعليمية وعجزا لدى الإدارة , فمن المعروف أن التربية الإيجابية تتم من خلال ثلاث عناصر وهي بالترتيب : القدوة , ثم الثواب , ثم العقاب . إذن فالعقاب يأتي في مؤخرة الوسائل التربوية , والعقاب هنا لا يعني الضرب بالضرورة , وإنما هناك عقوبات تؤثر في الطفل دون أن تؤذيه نفسيا أو بدنيا أو تجرح كرامته مثل حرمانه من بعض الأنشطة التي يحبها , أو استدعاء ولي أمره لمحاسبته , أو حرمانه من بعض درجات المواد".

    شروط ضرب الأولاد :

1 - كونه غير مبرِّح ولا شاقّ ولا ممرض.
2 -  التّأديب والضرب مشروطٌ بسلامة العاقبة فلا يجوز الضرب الذي يؤدي للضرر والتلف.
3 - أن تكون الضربات محدودة وفي عدد الضربات خلاف طويل.

ويقول التربويون أن الضرب آخر الدواء فهو كالملح للطعام، إذا وضع في الطعام بكمية كبيرة فسد الطعام، وإن وضع بكمية قليلة فإنه يصلح الطعام، فالضرب لا يلجأ إليه إلا بعد استنفاد جميع وسائل التأديب ،فمن الخطأ الفادح التوجه للعقاب البدني مباشرة وهذا المثل يستدله الكثير من علماء التربية.

آثار الضرب على معنوية الطفل عند علماء التربية (5) :

1 - ضرب الطفل يولد كراهية لديه تجاه ضاربه، مما يقتل المشاعر الإيجابية المفترض أن تجمع بينهما وتقربهما من بعض.
2 - اللجوء إلى الضرب يجعل العلاقة بين الطفل وضاربه علاقة خوف لا احترام وتقدير.
3 - الضرب ينشئ أبناء انقياديين لكل من يملك سلطة وصلاحيات أو يكبرهم سنا أو أكثرهم قوة وهذا الانقياد يضعف الشخصية لدى الأبناء ويجعلهم شخصية أسهل للانقياد والطاعة العمياء، ولاسيما عند الكبر مع رفقاء السوء.
4 - الضرب يقتل التربية المعيارية القائمة على الاقتناع وبناء المعايير الضرورية لفهم الأمور والتمييز بين الخطأ والصواب والحق والباطل.
5 - الضرب يلغي الحوار والأخذ والعطاء في الحديث والمناقشة بين الكبار والصغار ويضيع فرص التفاهم وفهم الأطفال ودوافع سلوكهم ونفسياتهم وحاجاتهم.
6 - الضرب يفقر الطفل ويحرمه من حاجاته النفسية للقبول والطمأنينة والمحبة.
7 - الضرب يزيد حدة العناء عند غالبية الأطفال ويجعل منهم عدوانيين.
8 - الضرب قد يضعف الطفل ويحطم شعوره المعنوي بقيمته الذاتية فيجعل منه منطويا على ذاته خجولا لا يقدر على التأقلم والتكيف مع الحياة الاجتماعية.

ويتأكد معظم الباحثون في دراستهم على أن إلغاء العقاب الجسدي أو حتى تخفيفه يساعد الطفل على تغيير تصرفاته المعادية للمجتمع مثلاً : ينصّ البحث الذي نشرته مجلة طب الأطفال والشبيبة وتصدرها منظمة الأطباء الأمريكية إلى أن الأطفال الذين يتعرضون للضرب دائماً ينشأون كذابين اكثر من أبناء جيلهم الذين لايضربون ميلاً إلى العنف ضد الآخرين ولا يظهرون أية مشاعر ندم على الأعمال العنيفة التي يقوم بها أو عن الأخطار التي يقعون فيها خلال مسيرة حياتهم !.

................................................

(1): سورة آل عمران 159
(2): سورة الأنبياء 107
(3): سنن أبوداود 417
(4):   رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر –فرع دمياط
(5):   : متداولة عند علماء التربية ولم يتم العثور على صاحبها بالضبط

إنّ فيك خصلتين يحبّهما الله

0 التعليقات





كلام في غاية البهجة , كلام منسوج بغصون رطبة معطّرة من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء , إنّه كلام سيّد المرسلين صلى الله عليه وسلم أفصح من نطق بلغة الضّاد , كلام من لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحي’’ يوحى , أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج بن عبدالقيس : " إن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة ". (1)

والحلم لغة : مصدر حلِم فلان أي صار حليما , وقيل هو الأناة والعقل ومنه قوله تعالى :" أم تأمرهم أحلامهم بهذا ". (2)

واصطلاحاً : ضبط النفس والطبع عند هيجان الغضب , وقيل هو ترك الإنتقام عند شدة الغضب مع القدرة على ذالك.

وعرف الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين في شرحه على رياض الصالحين  بأن الحلم هو : أن يملك الإنسان تفسه عند الغضب إذا حصل غضب وهو قادر , فإنه يحلم ولايعاقب ولايعاجل العقوبة , وعرف الأناة بأنه : التأني من الأمور وعدم العجلة وألا يأخذ الإنسان بظاهرها فيتعجل ويحكم على الشيء قبل أن يتأنى فيه وينظر...

نلاحظ من هذا الحديث الذي معنا أن الأشج عبدالقيس رضي الله عنه اتصف صفتين من الصفات الرائعة التي بها تحصل مدح الرحمن , فقد مدح الله سبحانه نبيه إبراهيم خليل الرحمن عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في القرآن العظيم فقال : "إنّ إبراهيم لأواه حليم ". (3) وماخسر عبد حقّقت له مدح الله عز وجل ,  وليس المعنى أن هذين الصفتين خاصة بهذا الصحابي بل العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب.

ناهيك كل هذا أنهما من صفات المولى فقد ورد في أماكن عدّة من التنزيل أن الله حليم بعباده منها : " واعلمو أن الله غفور حليم ". (4) , وقوله : "ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ماترك عليها من دابة ". (5) والأيات في هذا المجال كثيرة .

من ثمرات الحلم والأناة :

أ- وسيلة إلى رضا الغفور المنان فقد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة يخيره من الحور العين ماشاء ". (6)
ب - هما دليل على قوة إيمان صاحبه وأنهما يحكمانه أثناء الإنفعالات ففي الحديث " ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". (7)
ج - بها تكسب المعادين فقد قال تعالى :" ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم". (8)

أوصي المسلمين جميعاً بتأثر هذا الخلق الرفيع ولزومها في كل حين لنكن  جميعاً في واحة السعادة  , بهما اصلاح الأمة والبلاد عموماً , وبهما تنال إصلاح ما أفسدناه  خصوصاً  , كما تنال بهما كرامة الدارين اللهم وفقنا لما تحب وترضى .... آمين 



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



 (1) : صحيح مسلم \ باب الأمر بالإيمان بالله \  126
(2) : سورة الطّور \ 32
(3) : سورة التّوبة \ 114
(4) : سورة البقرة \ 235
(5) : سورة النّحل \ 61
(6) : سنن أبي داود \ باب من كظم غيظا \ 4779
(7) : صحيح البخاري \ باب ماجاء في الغضب \ 1613
(8) : سورةفصّلت 34


كـافـــة الـحـقــوق محفـــوظــة لمــــدونـــة عبـــداللــــــــه كســــمــايــــو