مرحباً بكم أعزائي الكرام

مرحباً بكم أعزائي الكرام

عينٌ على صفات أساتذتي !.

0 التعليقات


أساتذتي أثّروا في حياتي، فأصبحوا منارة أهتدي بها في الليالي الحالكة، وشعلة شديدة التوهج أبصر بها المحاسن والأشياء الجميلة، ومعيناً تنصبّ من كلّ حدبٍ وصوبٍ أنهل منها في أوان العطش، وسلاحا أتسلح به متي حمي الوطيس، بذلوا كل جهودهم الجبّارة ليذللوا لي الطريق الوعر والشاق، فاستطعت عبوره بكل سهولة، كانوا يلقنونني دائماً بأن الحياة اللذيذة وراء المشقة العصيبة، وأن الآمال والأحلام ستحقق يوماً رغم التحديات المتلاصقة، وأن الولد لا يصلح حال أمته المنكوبة إلا أن يكون لكبارها وعجائزها كنعلين ناعمتين يستخدمون للمشي كيف مايشاؤون ومتى يشاؤون، فصاروا مصدرا لإلهامي ومنبعاً هامّاً أمتص منه الفوائد والحكم والدررالتي أصبحت معدومة في هذا العصر الذي كثر فيه الإنحطاط والتهكُّم !.

بدأت حياتي معهم في وقت مبكر من ريعانة الطفولة مماأتاح لي أن لاأنزلق إلى مستنقع التأخر والتخلف، فازداد لي صحبتهم ثقة قوية واعترافا بقدر نفسي بسهولة وأنه ليس هناك مالايطاق أصلاً، فشرعت أن أوجه نفسي نحو المفيد والمستقبل المضيء الذي لازال مشرقاً بين يديّ حتى كتابة هذه السطور، فانقادت لي جوانب الحياة كلها سهلها وصعابها، وحتى لاتطول القائمة فإليك من تعايشت معهم من الزمن مايكفيني ومن أبرز هؤلاء  :

1.      الأستاذ سلطان أحمد ناصر، شخصية مهذبة، وصاحب القلب السليم والحلم الجميل، الذكيّ البارع، ذو الجمال اليوسفي وذو الصوت الجهوري الجذاب، الأديب الرائع ولينّ العريكة، درس لي الأدب العربي في المرحلة المتوسطة وكنا نغنّي معاً بين كل عشيّة وضحاها بتلك القصيدة الرائعة التى لازلت أحنّ إليها في كبري والتي كان مطلعها (مسلمون مسلمون مسلمون... حيث كان الحق والعدل نكون).

2.      ولاأنسى المربي الكبير العطوف الأستاذ محمد حسن أشكر، المتحلي بصفة التواضع والخلق الرفيع، أصبحت حياتنا مطلة منذ مطلع هذا القرن المبتدئ، كان شعلة مضيئة في حياتي فعقد الرمان في نفسي، القويُّ البنية  وذو العضلات المفتولة، شهّام دمث الخلق رقيق المشاعر كريم السجايا وماهر بلغة الضاد، رباني صغيراً فأحسن تربيتي وأرشدني أن أدلى دلوي في عالم الكتابة لما اشتدّ عضدي، كونّا علاقة ضاربة في جذور الودّ وفي سحيق القلوب، تجاذبنا أطراف الحديث في فصول التعليم وصالات الأفراح في المهجر بعد النزوح الذي عم الجميع.

3.      ومنهم الأستاذ محمد عمر بري المعروف بــــــ (توبي tube)، اللين الفريد في عصره، جمع الخصال الحميدة كلها، كثير التحمّل، نشيط في العمل وصبور في الكدّ والمتاعب، متواضع من نوع آخر وصاحب قلب سليم،كثير التحرك في إلقاء المحاضرة، وكان –في جميع أحواله- حريصاً بتفقد أحوالنا متى انقلبنا من دراسة مادة الجغرافي، وممايهمه أكثر حال أمته المنكوبة التى لم تحصل من يجبر كسرها بصدق وإخلاص رغم تنديداتها الشديدة وصيحاتها الأليمة كل صباح ومساء.

4.      أضف إلي القائمة الأستاذ بكر حاج عمر، صاحب الإبتسامة العريضة، نبيل قبل ان يستنال، كثير المزاح ، لين الجناح، الخلوق وصاحب النشاطات الرائعة، يحفظ من القصص مايكفيك.  فجرّب الحياة بكل أنواعها فأصبح شخصية لاتنسى.

5.      ولنرصع بالقائمة الأستاذ عبد القادر أحمد حسن، صاحب الحكايات الجميلة والمشاعر الجذابة، النقيّ في تعامله مع الآخرين وصاحب الأيادي الرفيقة ، الوفيّ في حياته، ذو القلب النابض بحبّ طلابه، كثير الإندماج في سلك الطلاب للتواضع، لديه من التاريخ والحوادث ماينسيك بحاجاتك الماسة، درس لي العلوم في المرحلة المتوسطة فكان مدرساً ممتازاً وشخصاً عظيماً يستحق بالذكر.

6.      ومنهم خالي الحبيب محمد بدي عبده، الخطيب المفوه، المأمون البوائق، غزير العطايا، كريم يعطي قبل السؤال، وللخير في وجهه رسوم، اشتهر بالليونة والمرونة، في العشيرة معظم، وفي الندى مكرم، جميل الخطّ وناصح بامتياز، حشيم ومتواضع أيضاً.

7.      ولن أهمل المربي الحنون الأستاذ عبدالرشيد، شعلة المجالس، مجتهد وعالم ربّاني، حريص بأداء واجبه التدريسي على أكمل وجه، قوي في تصدى الأخلاق الدّخيلة اللّادينية، غيث في المحلّ ومفيد في المحافل، عاقل بلا تفلسف، شجاع بلا جدل.

8.      وفي سلك الخرز الأستاذ أحمد وامو، العملاق الشامخ، هزم المعضلات بحلها، فجعل الصعاب بسيطة، بدر يضيء الظلام، رحيم متفتّحٌ ومربّي الأرواح، يهطل مطره الغزير على الأرض القاحلة فتغدو خضراء يانعة، مدير رائع، يحبُّ بأن يحلل المشاكل بالتفاوض السلمي والطرق السليمة.

9.      ومنهم الشاعر اللبيب عبدالله محمد محمود، أديب القرن وصاحب الألحان الحماسية، ومازال صوته يرنّ في رأسي وقد كبر سني، تعلمت منه أن الشعر عالم آخر يأسرك بجماله وروعته، رجل جذاب خلوق، وإنسان نشيط لاتنصرف عنه العيون ولاتختار الآذان بسماع غيره وهو موجود، مأنوس متفاهم ليس بفظّ ولاغليظ ولامزعج، مناضل وحريّ في تحريض شعبه الأبيّ، المنشد بالكلمات المشهورة:
Gumeysi ish weeye, uf weeye, akh weeye, tigreega eryaaaaay

10. ولن أتعامي بفضل تلك المتدينة المحجبة الأستاذة فاطمة عبدالله محمد، الخجولة الذكية الحنونة، كانت تبذل قصارى جهدها المبارك لتوجيه طلابها نحو الأفضل والأحسن، لينة الجناح وتسمع بآراء طلابها ولاتجبرهم بمالايطيقون، تمتلك خصال الأمومة كلها وقد يعجز الكلام عن وصفها.

11. وأختم بالذكر الأستاذ أحمد قرني، الحليم المتواضع والنجم الساطع، الورع الطاهر، صاحب النصائح والعظات الثمينة، بنى العقول بإصرار وتضحية، فهذب الأخلاق ونمى العقول، وهذا مايميّزه عن غيره من الرجال.


     مرّت بنا تلك اللّحظات الجميلة التى تقاسمنا معاً الفرحة والسرور دون أن أشعر، ورقصنا معاً علي أهداب الزمان بخيلاء وشموخ، وتحمّلت لنا الأعوام والساعات أخبارا سارة مليئة بالأفراح والبشائر والأنذار المبكرة للأشياء الجميلة في حياتنا، وأتعجّب دائماً كيف مرت الأعوام هكذا سريعة وكلمح البصر، ،  ومن الصعب أن أنسى تلك الأرواح الزكية   الذين كانوا رفقائي في الحل والترحال في ريعانة طفولتي، ولن يزال قلبي ينبض حبّهم السرمدي وحنينهم الجارف، وأسردت لكم هذه الكلمات لأبوح  لكم ما يجيش في صدري من الحب والغرام.

القسوة في الخلوات القرآنية

0 التعليقات
كان القلق يوقظني ويمنعني من الرّقاد وكانت الأحزان تغمرني طوال تلك اللّيلة التّي أخبرتني شقيقتي عزيمة الوالد – حفظه الله ورعاه – بأنه سيودّعني غداً إلى عالم الخلاوة القرآنية، ولم تكن نفسي راضية بهذه العزيمة لتكرر شكاوي الأقران على أذنيّ وفرارهم المتلاحق منها لقسوة مدرّسيها وغلظتهم الجافّة، بيد أنَّه اشتَّد عليّ الخوف لما علمت اتفاقيَّةً سريّة  بين الوالد والمعلم إذ سيكون دمي هدراً إن نالني  شيء عن المدرس كجراحةٍ أو إتلاف عضوٍ أو حتّى وإن جاءت منيّتي بيده، وليس لدى الوالد أيّ خيار ثان يتيحه برفض هذا الشرط الفاسد بكل مقاييس البشريّة وكان مجبوراً بقبوله لقلة أماكن التدريس الممتازة آنذاك ؛ إذ الغاية الأسمى للوالد أن يحقق أحلامه  قبل رحيله إلى الحياة الأبدية والدار النعيم، وكان المدرس متقنا فريداً ومخلصاً بعلمه، متواضعاً في مجتمعه، وناشطاً فعالاً في ميدانه، لكنه كان يشتكي بأنه لايتحكم نفسه أوان الغضب ولهذا اشترط بشروط قاسية جارحة لإتقان عمله المبارك معتمداً بالمثل الصومالي :
)Ama afeef hore lahoow ama adkeysi danbe(

نعم... كان البكاء الدائمة سمةً لي، وكان أنيني يفزع الأهل في الساعات الأخيرة من الليل شاكياً بوجعٍ أليم كالملاريا وأمثالها مع سلامتي ومعافاتي ؛ إذ القسوة التي تلقيتها عن المدرس تجبرني ببحث أيّ طريقة تمنحني باستراحة يومٍ أو يومين عن الخلاوة القرآنية، وكنت في نعومة أظفاري غير متحمّلٍ بهذا العنف الشديد الذي لايزال يهاجمني بين عشيّة وضحاها ، وفي غضون ذالك كانت تحركاتي البسيطة في ساحته تثير غضبه وتحمرُّ عيناه وكأنه في حربٍ ضروس فضلاً من أن أجلس بكيفية اعوجاجية أو لدي حاجتي الي الحمام أو هكذا، وكنت على حذر دائم ومشاعري نحو ذالك السوط اللعين الذي لايفارق دائماً بيمينه، وكلما حصلت فترة قصيرة للتفكير أتسائل في نفسي أسئلة عديدة منها : حسناً... هل من ملجأ لتلوذ بالفرار ؟! إلى متى ستستمر في هذه الورطة القاسية ؟! هل لك باختراع أيّ فكرة لتتخلص هذا العنف؟!...

لم يظهر لي أيّ اختيار سليم ينقذني ويودعني إلى واحات الأمان  لأن الأسرة أجمع قد أشرب في قلوبهم القرآن العظيم وليس فيهم من يترحّم لي إن شكوت له، ولازمني الإحباط تلك المدّة الحرجة ولم أجد أيّ حلّ لأتخلص منها أو لأخفف آلامها على الأقل، واستنتجت من كيفية تعامله معي استنتاجاً خطيراً بأن القرآن والقسوة توأمان ولايفترقان أصلاً !.

وبعد فترة طويلة شاءت الأقدار أن أنسلخ ماأعاني به من تعذيب شرس، واضطهاد فادح بعد اكمال حفظ القرآن خلال تسع شهور مباركة، وكرهت الماضي كله لتلك المدّة التي لازالت ذكرياتها تؤلمني في وقت كبر سنّي وأصبحت رجلاً فحلاً !، وفعلاً ليس هذا محصوراً بي فحسب بل المشكلة بارزة في المجتمع، عانى بها كل من مكث في عالم الخلاوة القرآنية يوماً والسؤال التى تتبادر إلي ذهن القارئ : لماذا القسوة والقرآن متلاصقان ؟ هل فقرات القرآن تأمر المدرسين بهذه الغلظة الشنيعة ؟ أم من دأب أهل القرآن القسوة والغلظة ؟ لماذا دائماً....؟!.

نعم... لاغبار بأن الشريعة السمحة مبنيةً باليسر والرحمة واللطف بالخلق أجمع وهذا مانصّ عليه القرآن في أكثر من موضع واحد قال تعالى :"فبما رحمة من الله لنت لهم ولوكنت فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك"(1  وقال أيضاً: "وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين" (2) والآيات في هذا المجال كثيرة لاأحصرها ، ولاشكّ أيضاً بأن الضرب والتأديب مما لابدّ منه ليخطط مستقبل هذا الطفل الذي لايعرف كوعه من بوعه ولتكون زاجرة عنه من التساهل والكسل اللّذان هما من طبع البشريّة واتفقت جمهور الفقهاء على مشروعية ضرب الأولاد في الشريعة مستدلين على لفظ الأمر الذي حمله جمهور الفقهاء على الوجوب - كالحنفية والشافعية والحنابلة – وهو الحديث الذي رواه  عبد الله بن عمرو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْر سنين وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِع" (3)

والضرب بشكل عام عقوبة يجوز استعمالها شرعاً فقد شرع الضرب في الحدود وفي التعزير وشرع ضرب الزوج لزوجته في حال النشوز وشرع ضرب الأولاد تأديباً لهم على ترك الصلاة وغير ذلك من الحالات ولكن ضرب الأولاد يحتاج إلى تفصيل وتوضيح والأهمّ منها أن نحمي خاطره من الإحباط والتشاؤم عن سويداء قلبه ولمجابهة تسوء نوايا الخلاوة القرآنية.

   يقول الدكتور محمد المهدي (4) : "وادعاء أن العملية التعليمية والسيطرة على الطلاب لا تتم بدون ضرب يعكس ضعفا في المهارات التعليمية وعجزا لدى الإدارة , فمن المعروف أن التربية الإيجابية تتم من خلال ثلاث عناصر وهي بالترتيب : القدوة , ثم الثواب , ثم العقاب . إذن فالعقاب يأتي في مؤخرة الوسائل التربوية , والعقاب هنا لا يعني الضرب بالضرورة , وإنما هناك عقوبات تؤثر في الطفل دون أن تؤذيه نفسيا أو بدنيا أو تجرح كرامته مثل حرمانه من بعض الأنشطة التي يحبها , أو استدعاء ولي أمره لمحاسبته , أو حرمانه من بعض درجات المواد".

    شروط ضرب الأولاد :

1 - كونه غير مبرِّح ولا شاقّ ولا ممرض.
2 -  التّأديب والضرب مشروطٌ بسلامة العاقبة فلا يجوز الضرب الذي يؤدي للضرر والتلف.
3 - أن تكون الضربات محدودة وفي عدد الضربات خلاف طويل.

ويقول التربويون أن الضرب آخر الدواء فهو كالملح للطعام، إذا وضع في الطعام بكمية كبيرة فسد الطعام، وإن وضع بكمية قليلة فإنه يصلح الطعام، فالضرب لا يلجأ إليه إلا بعد استنفاد جميع وسائل التأديب ،فمن الخطأ الفادح التوجه للعقاب البدني مباشرة وهذا المثل يستدله الكثير من علماء التربية.

آثار الضرب على معنوية الطفل عند علماء التربية (5) :

1 - ضرب الطفل يولد كراهية لديه تجاه ضاربه، مما يقتل المشاعر الإيجابية المفترض أن تجمع بينهما وتقربهما من بعض.
2 - اللجوء إلى الضرب يجعل العلاقة بين الطفل وضاربه علاقة خوف لا احترام وتقدير.
3 - الضرب ينشئ أبناء انقياديين لكل من يملك سلطة وصلاحيات أو يكبرهم سنا أو أكثرهم قوة وهذا الانقياد يضعف الشخصية لدى الأبناء ويجعلهم شخصية أسهل للانقياد والطاعة العمياء، ولاسيما عند الكبر مع رفقاء السوء.
4 - الضرب يقتل التربية المعيارية القائمة على الاقتناع وبناء المعايير الضرورية لفهم الأمور والتمييز بين الخطأ والصواب والحق والباطل.
5 - الضرب يلغي الحوار والأخذ والعطاء في الحديث والمناقشة بين الكبار والصغار ويضيع فرص التفاهم وفهم الأطفال ودوافع سلوكهم ونفسياتهم وحاجاتهم.
6 - الضرب يفقر الطفل ويحرمه من حاجاته النفسية للقبول والطمأنينة والمحبة.
7 - الضرب يزيد حدة العناء عند غالبية الأطفال ويجعل منهم عدوانيين.
8 - الضرب قد يضعف الطفل ويحطم شعوره المعنوي بقيمته الذاتية فيجعل منه منطويا على ذاته خجولا لا يقدر على التأقلم والتكيف مع الحياة الاجتماعية.

ويتأكد معظم الباحثون في دراستهم على أن إلغاء العقاب الجسدي أو حتى تخفيفه يساعد الطفل على تغيير تصرفاته المعادية للمجتمع مثلاً : ينصّ البحث الذي نشرته مجلة طب الأطفال والشبيبة وتصدرها منظمة الأطباء الأمريكية إلى أن الأطفال الذين يتعرضون للضرب دائماً ينشأون كذابين اكثر من أبناء جيلهم الذين لايضربون ميلاً إلى العنف ضد الآخرين ولا يظهرون أية مشاعر ندم على الأعمال العنيفة التي يقوم بها أو عن الأخطار التي يقعون فيها خلال مسيرة حياتهم !.

................................................

(1): سورة آل عمران 159
(2): سورة الأنبياء 107
(3): سنن أبوداود 417
(4):   رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر –فرع دمياط
(5):   : متداولة عند علماء التربية ولم يتم العثور على صاحبها بالضبط

يوماً في رحاب الزّميلين !

0 التعليقات




في أثناء رحلتي السّياحيّة إلى حدود كينيا مع تنزانيا ، وخصوصاً قريةٌ صغيرةٌ تربط بين البلدين والتّي تسمّى ب (نمانغو NAMANGA )      إذ اتّصل بي الزّميل الكاتب والدَّاهية في زمانه السيد كمال الدّين شيخ محمد عرب مخبراً بي : ( أنّني سأكون على ضيافته يوماً قبل رجوعي إلى مأوى الأمّ الحنون  قارسا  حيث كنت عاملاً ومقيماً هناك ، وذلك بمناسبة عرسه الَّذي كان حديث عهدٍ آنذاك ، وأنّه أيضاً سيشهد في تلك البقعة المباركة زميلي الموقّر والكاتب النَّبيل عبدالسَّلام شيخ يوسف علي طوح ) ، وبعد انقطاع المكالمة مع رفيقي كمال بدت ملامح وجهي تنير ؛ وكأنّها تحكي للنّاس الخبر الذي جرى بيننا.

فعلاً كنت مشتاقاً بتلك الجلسة ، والتّى ستجمع الزّملاء الذين لم تكتحل مقلتليهم بمثل تلك الجلسة سنيناً طوالاً ، وكنت معتقداً بسبب تلك الجلسة أنَّ العاصمة الكينية – نيروبي – ستكون ك (كسمايو ومقديشو وووو... الخ )، لملاقاتي مع رفيقيَّ ، فامتدَّ بي الزمن للشَّوق والحنين باللقاء معهم ، وكان كلّ أملي أن يُطوَّق شريط الوقت طوقاً لوصول ذاك الموعد فوراً وبأقصر مدّة ! .

بعد رجوعي من تلك القرية الصّغيرة وأثناء زيارتي  بنيروبي ، إلتقيت فجأة وبلا موعد سبقَ الزَّميل كمال مبتسماً ومقبلاً بي على أحد أطراف شوارع إسلي ESLEIGH - بنيروبي ، والتّي تكثر فيها الجالية الصّوماليّة ، وبعد المعانقة الجميلة التّي تُوضح الصَّداقة بيننا اتّفقنا بعقد الجلسة الموعودة بعد يومين في بيته ، فواصل السّير .

وصلنا الموعد بيمن الله ورعايته ؛ فبادر كلٌّ منَّا بالإتّصال مع الآخر شوقاً لعقد تلك الجلسة الشَّريفة ، ولكن فُوجئت بالحزن الشديد إذ خمد نور الهاتف لأنّ البطاريّة كانت ضعيفة سابقاً ، وخطر على بالي بأن هذه الحالة ستعتبر مُضيعة لتلك الفرصة والتّى قلّما يوجد ، وأسرعت بتشحينه وتشغيله ليكون الإتّصال معي سهلاً  .

وما إن مكثتُ مدّة طويلة إذ اتّصل بي حبيبي ورفيقي كمال وأخبرني بأنَّه قائمٌ أمام المبنى المعروفة لدى أهل نيروبي ب (إسلي مول  ESLEIGH MALL) ، ولم يكن يعلم صاحبي أنني في الطابق الرَّابع من ذاك المبنى نفسه ، فنزلتُ عنها ثمَّ عانقته ، فبدأنا نخطوا الخُطى السريعة نحو منزله ، وكان الزّميل عبدالسلام مشغولاً بأشياءٍ ربما ليست ضرورية بذكرها خلال هذه السطور ، فتأخّر عنّا دقائق ليتفرّغ بمشاغله  .

وبعد أن أصبحتُ متَّكأً على المكان المُهيّأ للجلوس ، نُسِيتُ بأنّي كنت ضيفاً ، وخُيّلت بأنّني العروس نفسه وأنّ رفيقي بمنزلة ضيفٍ لي ؛ فأسرعت بتفتيش الكمبيوتر والتّصرف  ببعض الأشياء الموجودة هناك ، وربما كان سبب هذا الصَّداقة المتأصّلة بيننا  .

طلع علينا الزّميل عبدالسلام قادماً من الخارج وكان انتظاره قد طال بنا حقيقةً ، فنهضنا لمعانقته وترحيبه مسرورين برؤيته ، وما إن جلس صديقنا حتى تفوَّه بالحكم والأمثال المكنونة في قريحته وكنت حريصاً آنذاك بادخارها حتّى لايفوتني حرف واحد .

قُدّم الغذاء... فكانت هي هي ... ولاتستطيع العبارات بوصفها ، ولو حاولت بهذا لانقلبت خائباً ، ولا شكّ أنّ الكلمات ستنفذ ولم أصف كما كانت ، وأقلّ عبارة أقول عنها : (كانت ضيافة سخيٍّ لايبالي بتدخير ماله ) ، ولقد أجهد سيدنا كمال نفسه وأحسن الضّيافة حقّاً  .

و اتَّجهنا بعدها إلى أماكن التَّصوير لنلتقط بصورٍ تذكاريّة ، فكانت هذه الصورة التي بين أيدينا محظوظة بأن كانت هي الملتقطة لتعيد في ذاكرتنا ذاك المشهد الرائع والمصحوب بالمشاعر الجميلة ، وامتازت بأن تكون تذكارية واتّفقنا بأن يتشرّف بنشرها عبر الفيسبوك حبيبنا الغالي كمال فكان أوان نشرها (31-يوليو 2014) والساعة كانت تشير( 7:19pm ) كما يبدوا في أعلى الصورة ، فوصفني بأنّني نشيط وصاحب همّةٍ عالية ولكن الحقيقة أن هذه الصّفات الشّريفة هي التى بها امتاز بها صاحبي عن أقرانه وخلّانه  .


كـافـــة الـحـقــوق محفـــوظــة لمــــدونـــة عبـــداللــــــــه كســــمــايــــو