توعّدت حركة الشّباب الموالية
لتنظيم القاعدة بأنّها ستضاعف هجماتها الشّرسة على
القوات الصّومالية وقوات حفظ السّلام الإفريقية (أميصوم) فضلاً عن المنشآت الحكوميّة
الحيويّة وموظّفي الحكومة.
وفي هذا السّياق
تبنّت حركة الشّباب هجوماً عنيفاً إستهدفت قاعدة قرية (ليجو Leego ) العسكرية التي تتمركز فيها القوات
البروندية، وتقع على بعد 100 كيومتر غرب جنوب العاصمة مقديشو تقريباً، وأسفر
الهجوم زهاء ستين من القوّات المستهدفة، بينما شنّت الحركة هجمات مماثلة على القوّات
الصّومالية المتمركزة في محافظة شبيلى السفلى وفي الضّاحية الشّمالية لمدينة
كيسمايو، كما استولت على أسلحة ومعدات عسكرية متطورة وهو ما يشكل تهديدا محدودا
على قوات التحالف حيث من المتوقع إستخدام الحركة الأسلحة الحديثة النوعية.
وفي العاصمة
الصومالية مقديشو استهدفت موكبا عسكريا يقل مسؤوليين إمارتيين، قدموا من مسقط
رأسهم في وقت سابق ليوفّروا للدّولة الصّومالية تدريب الجيش الصومالي وتقديم
الدَّعم اللّوجيستي إليها، وعملية إنتحارية أخرى طالت على أكاديمية عسكرية تابعة
لجهاز المخابرات والأمن الوطني الصومالي في مقديشو.
وذكر علي طيري المتحدث الرسمي
لحركة الشباب كلاماً مفاده: "أنّ الذين لحقوا حتفهم بالهجمات الأخيرة التي
نصبتها حركة الشّباب تزيد على 86 جندياً من بينهم خبراء عسكريون من الدّولة
الإماراتية وعدد هائل من الجنود الإفريقيّة والصومالية".
الهزيمة التي
منيت بالقوّات البروندية برزت إلى السطح جانبا مهما من إخفاق قوات أميصوم عن إرسال
الإمدادات العسكرية إلى القوات البرندية في الوقت المناسب، وهو فشل غير متوقع لدى
الخبراء العسكريين الصوماليين، أما النقطة الثانية فتتجلى بحاجة قوات أميصوم إلى استخدام
السلاح الجوي لتدمير تجمعات الحركة في معاقلها، وبناء شبكة إستخبارات عسكرية قوية
تكشف عناصر الحركة المسلحة قبل وصولها إلى القواعد العسكرية التابعة للقوات
الإفريقية وتشكل هذه من أبرز التحديات التى تواجهها بعثة الإتحاد الإفريقي منذ
إنتشارها في الصومال 2007م.
ويعتقد
المحلّلون أن تحرص حركة الشّباب الإستفادة القصوى من هذا الشّهر لتكثيف هجماتها
الشرسة ضد من تصفهم بالصلبيين والمرتديين يعتبر كموسم لتخويف أعدائها، وزج عناصر
في معارك وتفجيرات واغتيالات قد لاتحقق أهدافها العسكرية غير إثبات وجودها
الميداني الذي يتآكل رويدا رويدا منذ إنسحابها من العاصمة مقديشو في أغسطس 2011م.
في موسم شهر
رمضان الماضي سالت دماء كثيرة في مقديشو وحواليها الخاضعة لسيطرة الحكومة
الصومالية بدعم من قوات أميصوم التى من أعنفها الهجوم الذي استهدف على مقر الرئاسة
الصومالية حيث تمكنت الحركة باقتحام عدّة نقاط تحقق هامة للجيش الصومالي، أما
الإغتيالات والإنفجارت التي نفذتها الحركة خلال رمضان الماضي فحدث ولاحرج.
ويمكن ان
نفسّر تكثيف الحركة هجماتها على محافظة شبيلي السفلى الواقعة في جنوب الصومال هو خلق
توازن الرعب التي فقدتها إثر مقتل قائدها الروحي أحمد غودني في غارة جوية امريكية 2014م في شبيلى السفلى، ولرفع معنويات مقاتليها التي تضعضت جراء
إنسحابهم من مدن إستراتيجية تقع في جنوب ووسط الصومال، ويمكن القول بأنّها تدور
حول فلك إثبات الذات وحضورها الميداني وكأن الحركة تقول "لطالما أقتل فأنا
موجود".
وتبرهن الهجمات
الأخيرة التّي شنتها الحركة على القوات الإفريقية والصومالية مدى إمكانيّة تنفيذها
سلسلة من الهجمات المتوقّعة الدّامية التّي وعدتها ضد أعدائها خلال رمضان الحالي
وفي نفس الوقت يؤكد أيضا قدرة الحركة على زعزعة الأمن والإستقرار لإبقاء ذيلها في
أدغال الصّومال، ممّا يجعل تهديدها العسكري واضحا على الدّولة الصّومالية وحلفائها
الذّين يعملون بشق الأنفس بتحقيق السلام والأمن في المناطق التي تقع تحت سيطرة
الدّولة الصّومالية والقضاء على خطر حركة الشّباب التي تشَكّل صُداعا مزمنا في رأس
الحكومة وحلفائها.
ومنذ انسحاب حركة الشباب عن مقديشوا في أغسطس 2011م نتيجة عدم
تمكنها من الدفاع على مواقعها داخل العاصمة لجأت بأسلوب حرب العصابات وهي حيلة المستضعفين،
كما أن هجماتها المحدوة خلال الشهر الجاري ركزت خارج العاصمة وأطرافها الجنوبية،
وهو تطور نوعي يحسب لصالح الحكومة الصومالية.
التّهديد الأمني لدول الجوار
تهديد الحركة
لايزال مستمرا على دول الجوار وهو الأمر الذي يؤدي إلى وجود حالة حرب إعلامية
ونفسية وأمنية لدى الدول المستهدفة من قبلها، حيث أعلنت دولة أوغندا بوجود تهديد
أمني، بينما الحالة الكينية تتسم بالإرباك الأمني بسبب وجود عناصر للحركة والتي
تتحرك بحرية تامة في المحافظات الكينية المجاورة للصومال.
تدراكت كينيا
الأمر حيث سدت معظم الثغرات الأمنية المتصلة بالحركة إلا أن تهديدها لايزال قائما،
أما أوغندا فقد وضعت قواتها في حالة تأهّب قصوى لمواجهة خطر حركة الشباب بعد حصول
كمبالا معلوماتا موثوقة تفيد بإمكانية وقوع هجمات دامية تنفذها الحركة والتي تشبه
هجمات 2010م في كمبالا التي أسفرت عن مقتل مدنيين أوغنديين.
وقد تبنت
الحركة مسؤولية الوقوف وراء سلسلة من هجمات دامية في كينيا والتّي أدخلت الأخيرة
في أتون حروب لا غالب فيها ولا مغلوب حيث لا أمل في تحقيق إنتصار كينيا ضدّ حركة
الشّباب، وتوعّد قائد في الحركة رفض الإفصاح عن هويّته لوكالات الأنباء قبل شهر
رمضان: "أنهم سوف يستهدفون ويدمرون القطاع التّعليمي والقطاع التّجاري
بكينيا، وقال: (نحن نعتزم أنّ تعرف الكينيون -غير المسلمين- بما هو الجهاد وذلك
خلال الأيّام أو الأسابيع القليلة المقبلة).
الأمر
الّذي أصبج لغزاً يحيّر الحكومة الكينيّة أكثر هو أنّه لا يعرف شيئا عن العقل
المدبّر ولا عن الساعد المنفّذ ولا عن الّذي أمدّ بالمعلومات الاستخبارية التّي
ساعدت على اختيار المكان المستهدف وتوقيت العمليّة وطريقة ارتكابها فضلاً من
الإغتيالات المتتالية التي تنفّذها عناصر نشطة من الحركة، والأمر الّذي يثير
الاستغراب أيضاً هو تلك السّهولة التّي تنفّذ بها حركة الشّباب غاياتها وتصل بها
إلى أهدافهم الموجعة، ولاشكّ أنّ في الجهاز الأمني الكيني عناصر فاسدة ذات الفعاليّة
الكبيرة في داخله لاتهمها سوى الرشوة البسيطة والتي تساهم في تسهيل عمليّات حركة
الشّباب، وعلى هذا الأساس فإن الجناح الأيسر المعارض للحكومة أكّد مراراً أنّه يستحيل
أن يوجد حلٌ جذري للأمن الكيني إلا بتنقية الجهات الفاسدة عن الجهاز الأمن وحجب الثّقة
عنهم وعزلهم.
السيناريوهات المحتملة
على الرّغم من مساندة الحكومة الصّومالية
من قبل بعض الدّول
والدّعم المالي الغير المسبوق الّذي حصلت عليه الدّولة التّى
يرأسها حسن شيخ محمود التّي
لم يبق من انتهاء مدَّة حكمها إلا أيّاماً معدودات؛ لكنَّها
لم تنجح أن تستعيد البلاد مكانتها في خارطة العالم
من جديد واستتابة الأمن وعودة الرخاء اللّذين
داعب أذهان أبناء الصّومال الّذين لازال جرحهم يندمل سنيناً مديدة.
ولعلَّ هذا يرجع إلى عاملين أساسيّين
أحدها: ضعف المصروفات الشّهرية لجنود الدّولة الصّومالية الّذين لم يلقوا من
الحكومة رسوماً شهريّة تكفيهم سوى مرّة أو مرّتين في السّنة كلّها بالإضافة إلى
عدم نظرة حاجاتهم بعين الإعتبار مما يجعل الصّومال تدور في حلقة مفرغة
وتسبّب لها بشلل
يعيق النُّهوض.
والثّاني هي التجاذبات السّياسية
والخلافات المتفاقمة
يوماً تلو الآخر والتّى أصبحت بارزة في أروقة الحكومة كأداء تتجسّد
في كلّ حين أمام رؤساء الصّومال، ومن المعلوم أن النّزاع والتّعنت لم يحقّقا لأيّ
طرف من الأطراف مراميه السّياسيّة؛ بسبب التّدخلات الخارجية التّي تحيط
بها إحاطة السّوار بالمعصم، وهو
الأمر
الذي يجعل الأمن والإستقرار بعيد المنال وأكثر تعقيداً.
وأيّاً
كان الأمر فإنّ الكثيرين
من المحلّلين يتوقّعون أنّ هذه الأيّام حبلي بالاحداث والهجمات النّوعية لحركة الشّباب
في الصّومال التّي توعدتها سابقاً، وأن الخلل بين أركان الأمن ستمنح فرصاً أكثر لحركة
الشّباب التّي تقود تمرّدا مسلّحا ضدّ الحكومة الصّومالية
وحلفائها في القارّة السّمراء؛ لينفّذوا مزيداً من
العمليّات النّوعية في كل من الصّومال وشمال شرق كينيا قبل نهاية الشهر مالم
تكن هناك جهود مضنيّة واستعداد صادق وقبضة حديدة ومراجعة
جذريّة تجاه الأمن وحفظ السّلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق