مرحباً بكم أعزائي الكرام

مرحباً بكم أعزائي الكرام

القبليّة وطلّابنا بالسّودان !



التّعليم أساس الحياة ، ومصدر الحياة النَّاجحة ، بها يعرف الصّحيح والفاسد ، وبها  تكتسب الكرامة والشّرف ، وانطلاقاً من هذا تدفَّقت آلافٌ من طلّابنا – الصّوماليين -  إلى شتَّى بقاع الأرض بحثاً بتحصيل العلم وازدياداً للعلم الشَّريف ، ومن ضمن هذه الأماكن السُّودان الشَّقيقة ، والجدير بالذّكر أنّ العيد الأضحى المباركة – بسنة 1435 الهجري الماضية - تزامنت بقدومي إلى هذه البقعة الشَّريفة والمتميّزة أيضاً ، لأنهل من  تلك المعين العذبة التّي وصفت لكم  .

وبعد مجيئي بايَّامٍ قليلةٍ ، أصابتني الدَّهشة والحيرة في شأن طلّابنا بالسُّودان عموماً  وبالعاصمة –الخرطوم- على وجه الخصوص ؛ تجدهم معكوفون على ماكنّا نعاني فيه ،  وتسبَّب لنا الفرقة والمشاكل المرّيرة التّى نتجوَّل فيها طوال السّنين الماضية وحتى الآن،  فضلاً عن الدَّمار الهائل الّذي شكَّل في جميع أرجاء الصّومال ، ذالكم ما كلّفني  أن أخطّط الحبر على الورقة  كعنوانٍ على هذا المقال غير آبهٍ بالرّدود الفعلية الناتجة عنه ، إذ لاشك أنّ التَّكلم عن هذا محفوف بالمخاطر  في هذه البقعة ، ويلزم عليك اللوم وحتّى الغضب أحياناً إن أصرت بنبشه وتفتيشه ؛ لكونها نقطة الضَّعف الحسّاسة لدى طلّابنا !.

           ولأحْكمَ بشدّة حقيقة ما أروي لكم ، فسأدعمه بعضاً من الحوادث التّي عايشت بها  هذه الأيّام :

1 – حسب المُتوقّع من أمثالي  كنت مشتاقاً لأصدقائي بالسُّودان الّذين لم تكتحل  مقلتاي رؤيتهم سنيناً طوالاً ، وكنت مهتمّاً بلقائهم وزيارة مساكنهم والحديث معهم واحداً   واحداً ، فألْفيت – فجأةً -  أحدهم ماشياً قرب إحدى المقاهي في وسط المدينة والتّى  كنت جالساً فيها ، فناديته من بعيد ثمّ هرع إليّ مبتسماً ، وقابلته بوجهٍ طلقٍ قائلاً :  مرحباً  ياحبيبي  ... ياعزيري ، و بعد المعانقة التّي تثبت الصَّداقة الأزليَّة بيني وبينه ،  سرعان ما اعتذر إليَّ من أنّه لم يساهم بترحيبي في مطار الخرطوم قائلاً : ( رفيقي  قد  كتموني بقدومك ، والعلّة الأكبر أنّني من قبيلة فلانة ، إذ يدور بيننا وبينهم – يعني  رفقائي  الذين  رحّبوني -   صراعٌ  في بعض الأمور   ) ! ، قبلت الإعتذار مستغرباً بكلامه ،  وبدأت  بعد فراقه أبحث ماإذاكان ما أخبرني به صدق أم بخلاف الواقع  ، فوجدت بعد  بحث  عميقٍ  أنّه صادق  !.

2 – في إحدى جلساتي التّى جمعتني مع ثلاثة من الأصحاب ، وكنت عارفاً بإثنين فقط ،  وبعد التَّعارف مع الرَّجل الجديد تفوَّه بكلمةٍ أدهشتني قائلاً : ( هل تعرف يارجل قبيلة  صديقك هذا ؟ أماتدري أنّه يجري بين قبيلتكما صراعٌ شرسٌ في إقليم فلان ؟! )...  استخففت قوله ، وماعرفت علاقة كلامه في الحديث الجاري في النادي ، فأجبت له  وذكرت بأن ذلك لايعنينا ولايهتمّ بنا ، فختم بكلامه  : ( لقائنا بعد سنة من هذه الساعة  فسنرى إن لم يتأثّر بك الأمور الجارية )  !!! .

3 - أخبرني موثوق كان بحضرة المطار أثناء رحلتي إلى السّودان  بأنَّ أحد الأصدقاء والَّذي  كان من ضمن منتظريَّ ، طرح لهم نقاشاً ، أما تدرون ياأصحابي أنّ عبدالله كسمايو من  قبيلة فلانة التي جرى بيننا الخلاف إذ لايستحقُّ بنا الترحيب ؟! فاختلفوا الصواب بهويتي ؛ هو من قبيلة فلانة ، قاله واحد منهم ، نهض آخر  بجرئة ؛ بل من قبيلة فلانة... الخ ، واستمرّوا الجدل إلى أن ارتفع ضجيجهم ، فحكموا بأحد أقربائي الذي كان  معهم ليكون حاكماً بينهم ، ومن هنا يتَّضح لك تأثير القبيَّلة في وسط طلابنا بالسُّودان  !.

وأما الروابط الطّلابية المتواجدة هنا فحدّث ولاحرج !!! ، حيث تعتبر بأنّها كيانات قبليّة  محضة  فمثلاً : إذا حان موعد الإنتخابات بينهم تراهم يحرصون عقد مؤتمرات جانبية  ليفوز كلّ  شخصٍ  بهذه الإنتخابات ويشتدّ بهذا ماإذا كان المرشَّحون من قبائل شتّى  فيكون أساس كل  مؤتمرٍ على عشيرة المنتخب .

وأما التعاون فيما بينهم فنزرٌ وبقلّة ، وليست هذه الرابطات -  التى يسمونها الكثير بأنّها مسميات - تحرّضهم بتحسين التعامل بينهم ، مثلاً: إذا مرض شخصٌ ينتمي إلى واحدة من هذه الرابطات أو أصابته مصيبة أخرى فلاتجد الروابط تبسط للضرير يد المعونة أصلاً ، مع أنّي خُيّلتُ بكثرتهم أنّ كلّ عشرة أشخاص من الطّلاب تتّحدهم رابطة ، ويرجع سبب ذالك ما أشرت بعنوان المقال فأصبحت الرابطات لاتحصى .

ولاشكّ أنَّ الله خلق الإنسان بحيث جعلهم قبائلاً شتّى ، وكانت الحكمة الإلهيّة التّعارف فيما بينهم لا  القبليّة التّي قال الرسول صلى الله عليه وسلم عنها : "دعوها فإنّها منتنه " كما في صحيح البخاري ، أضف إلى ذلك ماينتج عنها من إحكام النّسل حتى لايكون هناك غيرمعروف في أصله كما قال تعالى في سورة الحجرات : " يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنّ الله عليمٌ خبيرٌ " ، ولكن بدا لي بعد إمعان نظرٍ شديد أن الواقع الذي يعيشه طلابنا في السودان واقعٌ مرّير مليئ بالقبليّة والتمييز فيما بينهم ، حتي شكّلت القبليَّة البغضاء والشحناء والعداوة فيما بينهم !.

ويكتنف الغموض حقيقة من يقوم وراء هذا الصّراع الشديد بين الطلاب ، وأتساءل  أحياناً  ماإذا لم يكن هناك نفع كبير  يُستثمرْ فماهو الدافع الحقيقي بتشكيل تجمُّعات  قبليَّةٍ في  أحضان العلم ؟! ، أم أصبحت القبليّة وراثيّة من السّابقين ويتلازم من ذلك  حفظها ؟! ، أم هل  كانت وصيّة في جعبتهم منذ رحيلهم من أكناف بيوتهم  فيخاف كلّ  واحد ضياعها ؟!!! .... اسئلة  لم يتمّ العثور على أجوبتها  .




ليست هناك تعليقات:

كـافـــة الـحـقــوق محفـــوظــة لمــــدونـــة عبـــداللــــــــه كســــمــايــــو