بظهور آلات كثيرة تسهل للإنسان
التواصل مع أصدقائه وتسمح له بأن تصل فكرته إلى أبعد الحدود في وقت وجيز؛ بدأ معظم
المثقفين بأن يستخدموها كمنصة لطرح النقاش والتفاعل مع الآخرين بحيوية، على الرغم
من أن كل شخص يتفاعل مع الآخرين بطريقته الخاصة التي تعجبه، وبأسلوبه الذي يراه
بأنه يليق في تلك الحالة، فتلاحظ بأن صفحات الفيسبوك على سبيل المثال أصبحت منبرا
لطرح النقاش، والملاحظة الثانية أنّ معظم المعلّقين يضيفون إلى القائمة كلاما
فضفاضا لا دخيل له في الموضوع المتناقش فيه، وتكون أشدّ وضوحا حينما تتعلّق
المادّة المطروحة كنقاش بالأحكام الشرعية المختلف فيها!.
ومعظم هؤلاء الذين سطع نجمهم في
هذا العالم هم (مكافحون بدون أسلحة) لم يصلوا إلى درجة النضوج الفكري ممن تخرّجوا
من الثانوية العامة أو لم يتخّرجوا منها بعد، ولم يصلوا إلى أيّ مؤهلة علمية يذكر!،
وقد عرف هؤلاء الشبّان بتحمسهم الشديد لحماية صورة الإسلام السمحة التي تكالبت
عليها أعداءنا، وبذل التضحيات في سبيلها، وقد شمّرو بساعد الجدّ -رغم قلّة
معرفتهم- بأن ينقشوا أسماءهم باقتدار في جدار (حماية الدين)؛ لطالما لم يجدوا –بمنظورهم-
من هو أولى منهم ليقوم مقامهم أو يسدّ هذا الفراغ، وللأسف انزلقوا -بخطى ثابتة- إلى
برّ الإجرام والميل عن العدالة!، وتارة أصبحت حواراتهم تقطر منها دما، تشين خصمهم
فور تعرضه للنقاش، وسوط توجع الخصم والأنصار سويّا بمجرّد النقاش، وتارات أخرى
أباحوا أعراض خصمهم بتهم باطلة تفتقر منهم إلى أبسط دليل؛ لتنكيس أعلام غيرهم
وليرفرف علمهم عاليا شامخاً لأسباب قد تكون غالبيتها شخصية أو طائفية!، والأقبح من
هذا كله هو احتسابهم بالأجر، فيهم في طغيانهم يعمهون!.
من أبرز الأسباب:
النوايا الطيبة وتدينهم الخالص،
وطموحهم الرفيع بأن يكونوا رمزا لأمتهم، وحنينهم السرمدي لتوجيه رعيتهم المنكوبة
من أبرز ما يسبّب لهم بأن يتطرقوا في كل صغيرة وكبيرة من الفتاوي المعاصرة التي
تتطلب إلى رسوخ علمي وامعان نظر شديد، ولعلّ تبريرات (المكافحين) تعود إلى
مايسمّونه بالأفكار الوافدة من الغرب والشرق والتي تبرز عضلاتها في أوساط المسلمين
فقاموا متطوعين ليجابهوا خطورها حتى لاتتلبس على الرعيّة بأمور دينهم، فهم يكافحون
-بشق الأنفس- لدحر تلك الأفكار التي صدرت من جهة مشبوهة مع أنهم يغمضون أبصارهم عن
كيفية وصول هدفهم المنشود، وهنا الخلل طبعاً!.
ومن الممكن أن نطلق بأنّ عدم
التفرقة بين النصّ الإلهي وأقوال العلماء وتسديد آرائهم كحجة لاتحتمل الخطأ
والصواب، وادعاء الحقّ المطلق، والإنحراف عن معايير العدالة، والجهل عن الدين
وأسسه التي بنيت على أساس إقناع الآخرين بصورة ميثالية، وإشكالية مفهوم الرأي
والرأي الآخر، من أهمّ الأسباب التي تتيح لهؤلاء (المكافحين) بأن يتعمّقوا في تأصيل آرائهم (المعصومة)، وأن
يسلّطوا الرياح العاتية على كل من يقف أمامها من أصحاب الأهواء والضلال -إن صح
التعبير- وهي التي أودت آمالهم العريضة وتركت بصمات واضحة وتأثيرات سلبية في
المشهد الديني لازالت محفورة في ذاكرة الجميع!.
نماذج من (المكافحين):
شهدت صفحتي على الفيسبوك نزاعات حادّة
بين الأنصار والخصوم إثر وفاة المفكر والشيخ الفاضل حسن عبدالله (الترابي) -رحمه الله-، فكان منهم من يترحم له في منشورته
ومنهم من يجترئ في عرضه ويكفّر الشيخ دون حجّة يذكر، ومنهم من سكت عن هذه الأمور
على أساس "لاشمّاتة في الموت"، فكان من ضمن المنشورات التي تتعلّق بهذا
المجال مانشره أحد زملائي المقربين –ولامجال هنا بذكر اسمه- كورقة ترحّم وتذكير لمصير
كلّ أحد.
وكالعادة من دأب (المكافحين بدون
أسلحة) أن يتبادروا إلى الطعن ونيل أعراض المشبوهين؛ فقط ليرجحوا كفتهم دائما قبل
كلّ شيء لطالما لايستطيعون بمجابهة ردودات الخصوم، ولايوجد في قائمتهم بما يسمّى "لكل
مقام له مقال" إلّا فيما ندر!، فمنهم (مكافح) كفّر الشيخ بناء على مسائل فرعية ذكر بأن الشيخ أنكرها، والغريب في
هذه القصّة أنّه يتضح لك من ملامح هذا الشّاب (المكافح) بأنه لم يتعرف على شخصية
الترابي إلى أن جاءت منيّتة، واستغربت حينما أردف أحد (المكافحين) بمقولة مستندا بماورد في منشورة كانت قبله:
"قبحاً له إن صحّ هذا الخبر"، أتساءل كيف يجترئ العبد على عرض أخيه دون
براهين وححج قاطعة!، لاغرابة فيها فهي دأب (المكافحين بدون أسلحة) والمتسرعين
بالفتيا في زماننا!، والجذير بالذكر أنه حينما تلقى ردودات فعلية عن الطرف الآخر –كمايبدوا-
تولّى كبره ولم يصغ لهم البال، فكانت القاضية!، أتساءل لماذا أصبحت معظم تعليقاتنا
غير موضوعية كالأخيرة مثلا؟!، سؤال لايجيب عنها إلّا الزمن.
ليست هذه فحسب، ولربما تطول
القائمة بسرد نماذج من هؤلاء وهناك أماكن عدّة تجد فيها بسهولة بمثل هذه التعليقات
الغير موضوعية، ودابرها كانت حينما علّق أحد (المكافحين) على إحدى منشوراتي على
الفيسبوك التي كانت تحكي عن وجهة نظري حول الغلو ومعالجته، فتحمّل عليّ متحمساً
-كما يبدوا من ملامحه- قائلا كلاماً مفاده: "إنّي لك من الناصحين"!، ولطالما
كانت المسألة قابلة للنقاش فمن الأفضل أن يتفاعل مع الموضوع ويطرح فكرته لعلها تقنع
الطرف الآخر حتى يكون موضوعيّاً أكثر!، أو يتركه –إن لم يعجبه النقاش- طالما هو
مبني على أسس "الرأي والرأي الآخر"، ولاشكّ أن النصيحة جميلة حينما جاءت
بأدبها وروعتها.
والجذير بالذكر أن التعليقات
الغير موضوعية لا تنحصر في مجال معيّن، فقد تتعد بتعدد أصحابها واختلاف مجالاتها،
(فالمكافحون بدون أسلحة) بلاحدود وشعارهم واحد.
الخاتمة :
لايليق للمثقف الواعي أن يرجّح
كفته ويدعي الصواب في كلّ حالة، فتلك هي عين العصمة الإلهية، فأسلوب الحوار وإقناع
الآخرين مماجاءت به شريعتنا، ولابد أن نتحكم مشاعرنا حينما نواجه الآراء التي
لاتؤيدنا ، تأمّل معي قليلا في سور القرآن تجد فيها مايذهلك، لماذا يصفنا البعض
باللاموضوعية ونحن أمة الحوار؟!، يعجبني سياق القرآن حينما يخاطب مع الكفار
وبالأخص السور المكية مع أن القدرة الإلهية تستطيع بأن تحسم القضية بثواني، على
سبيل المثال لا الحصر تأمّل في سورة الملك من الاية (15-23) تجد أن القرآن يعلمنا
طرق الحوار وإقناع الخصوم بموضوعية وبأسمى التأدب، فتارة يوضح لهم بآيات الله
الكونية وما أودع فيه حيث جعل الأرض ذلولا حتى من لايستحق من هؤلاء الكفرة، وتارات
أخرى يسرد لهم بمخلوقاته التي تطير فوقهم بقمة البلاغة والحوار مايمسكها إلا
الرحمن إلا أن يوضح لهم المعجزات الإلهية من حيث لم يكونو يحتسبون!، هذه طريقتنا
وشريعتنا لماذا نسير ورءا الخيال ولماذا بالأمور اللاموضوعية ونطعن أعراض الإخوان
مع براءتهم!، على المثقف أن يتأمّل ماورد في سور القرآن ليتعرف أسس الحوار أكثر،
وليؤدّدي رسالته بطريقة سهلة وسليمة من التخديس والعيوب، وبناء على امكانية عثور
ىراء مضادة بما ورد في المقال فيعجبني أن نتداول الموضوع بعمق لنصل الفكرة العامة
لهذه القضية، ونقد القارئ وتصحيحه وتوجيهاته في غاية الأهمية بالنسبة لي، سواء كان
النقاش من طرف (المكافحين) أو غيرهم.